فإن قلت : لم قدّرت المحذوف متأخراً؟ «١» قلت : لأنّ الأهم من الفعل والمتعلق به هو المتعلق به لأنهم كانوا يبدءون بأسماء آلهتهم فيقولون : باسم اللات، باسم العزى، فوجب أن يقصد الموحد معنى اختصاص اسم اللَّه عزّ وجلّ بالابتداء، وذلك بتقديمه وتأخير الفعل كما فعل في قوله : إِيَّاكَ نَعْبُدُ، حيث صرح بتقديم الاسم إرادة للاختصاص. والدليل عليه قوله :
(بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها). فإن قلت : فقد قال :(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)، فقدّم الفعل. قلت :
هناك تقديم الفعل أوقع لأنها أوّل سورة نزلت فكان الأمر بالقراءة أهم.
فإن قلت : ما معنى تعلق اسم اللَّه بالقراءة؟ «٢» قلت : فيه وجهان : أحدهما أن يتعلق بها تعلق القلم بالكتبة في قولك : كتبت بالقلم، على معنى أنّ المؤمن لما اعتقد أنّ فعله لا يجيء معتدا به في الشرع واقعا على السنة حتى يصدر بذكر اسم اللَّه لقوله عليه الصلاة والسلام :«كل أمر ذى بال لم يبدأ فيه
(١). قال محمود :«لم قدرت المحذوف متأخراً.. الخ» قال أحمد رحمه اللَّه : لأنك لو ابتدأت بالفعل في التقدير لما كان الاسم مبتدأ به فيفوت الغرض من التبرك باسم اللَّه تعالى أول نطقك. وأما إفادة التقديم الاختصاص ففيه نظر سيأتى إن شاء اللَّه تعالى.
(٢). قال محمود :«فان قلت ما معنى تعلق اسم اللَّه تعالى بالقراءة... الخ»؟ قال أحمد رحمه اللَّه : وفي قوله «إن اسم اللَّه هو الذي صير فعله معتبراً شرعا» حيد عن الحق المعتقد لأهل السنة في قاعدتين : إحداهما أن الاسم هو المسمى، والأخرى أن فعل العبد موجود بقدرة اللَّه تعالى لا غير فعلى هذا تكون الاستعانة باسم اللَّه معناها اعتراف العبد في أول فعله بأنه جار على يديه، وهو محل له لا غير وأما وجود الفعل فيه فباللَّه تعالى أى بقدرته تسليما للَّه في أول كل فعل والزمخشري رحمه اللَّه لا يستطيع هذا التحقيق لاتباعه الهوى في مخالفة القاعدتين المذكورتين، فيعتقد أن اسم اللَّه تعالى الذي هو التسمية معتبر في شرعية الفعل لا في وجوده إذ وجوده على زعمه بقدرة العبد، فعلى ذلك بنى كلامه.
أقول : دعواه أن عند أهل السنة الاسم غير المسمى ممنوعة، وتحقيقه قد ذكر في غير هذا الكتاب. [.....]