فإن قلت : أخبرنى عن تأليف ذلِكَ الْكِتابُ مع (الم). قلت : إن جعلت (الم) اسما للسورة ففي التأليف وجوه : أن يكون (الم) مبتدأ، و(ذلِكَ). مبتدأ ثانيا، و(الْكِتابُ) خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوّل. ومعناه : أنّ ذلك الكتاب هو الكتاب الكامل، كأن ما عداه من الكتب في مقابلته ناقص، وأنه الذي يستأهل أن يسمى كتابا، كما تقول : هو الرجل، أى الكامل في الرجولية، الجامع لما يكون في الرجال من مرضيات الخصال. وكما قال :
هُمّ الْقَوْمُ كلُّ الْقَوْمِ يا أُمَّ خَالِدِ «١»
وأن يكون الكتاب صفة. ومعناه : هو ذلك الكتاب الموعود، وأن يكون (الم) خبر مبتدإ محذوف، أى هذه الم، ويكون ذلك خبرا ثانيا أو بدلا، على أن الكتاب صفة، وأن يكون : هذه الم جملة، وذلك الكتاب جملة أخرى. وإن جعلت الم بمنزلة الصوت، كان ذلك مبتدأ خبره الكتاب، أى ذلك الكتاب المنزل هو الكتاب الكامل. أو الكتاب صفة والخبر ما بعده، أو قدّر مبتدأ محذوف، أى هو - يعنى المؤلف من هذه الحروف - ذلك الكتاب. وقرأ عبد اللَّه : الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه. وتأليف هذا ظاهر.
(١) وإن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
للأشهب بن رميلة. وقيل لحريث بن مخفض. والذي : أصله الذين، فحذفت النون تخفيفاً. وروى : وإن الألى، وهو بمعنى الذين، وهم المذكورون في أول الأبيات وهو :
ألم تر أنى بعد عمرو ومالك وعروة وابن الهول لست بخالد
وحانت : أتى حين هلاكها، وهو كناية عن الهلاك. ويقال : حان حينا : هلك، وأحانه اللَّه : أهلكه فهو حقيقة. وفلج - بالفتح - اسم موضع بطريق البصرة، ودماؤهم : نفوسهم. وهم القوم كل القوم : أى هم المختصون بجميع صفات الرجال الحميدة دون غيرهم.