وفي معناه قوله تعالى :(وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ) وقرئ : وقود، بالضم بمعنى أهل وقودها. والمراد بالذين كفروا من كفر برسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. وعن ابن عباس : هم قريظة والنضير. الدأب : مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فوضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله، والكاف مرفوع المحل تقديره : دأب هؤلاء الكفرة كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم. ويجوز أن ينتصب محل الكاف بلن تغنى، أو بالوقود. أى لن تغنى عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك أو توقد بهم النار كما توقد بهم، تقول : إنك لتظلم الناس كدأب أبيك تريد كظلم أبيك ومثل ما كان يظلمهم، وإنّ فلانا لمحارف كدأب «١» أبيه، تريد كما حورف أبوه كَذَّبُوا بِآياتِنا تفسير لدأبهم ما فعلوا وفعل بهم، على أنه جواب سؤال مقدّر عن حالهم قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هم مشركو مكة سَتُغْلَبُونَ يعنى يوم بدر. وقيل : هم اليهود. ولما غلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم بدر قالوا : هذا واللَّه النبىّ الأمىّ الذي بشرنا به موسى، وهموا باتباعه.
فقال بعضهم لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة أخرى، فلما كان يوم أحد شكوا. وقيل : جمعهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعد وقعة بدر في سوق بنى قينقاع فقال يا معشر اليهود احذروا مثل ما نزل بقريش «٢» وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم، فقد عرفتم أنى نبى مرسل، فقالوا لا يغرّنك أنك لقيت قوما أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس، فنزلت وقرئ : سيغلبون ويحشرون، بالياء، كقوله تعالى :(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ) على قل لهم قولي لك سيغلبون. فإن قلت : أى فرق بين القراءتين من حيث المعنى؟ قلت : معنى القراءة بالتاء الأمر بأن يخبرهم بما سيجرى عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنم. فهو إخبار بمعنى سيغلبون ويحشرون وهو الكائن من نفس المتوعد به والذي يدل عليه اللفظ : ومعنى القراءة بالياء الأمر بأن يحكى لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه، كأنه قال : أدّ إليهم هذا القول الذي هو قولي لك سيغلبون ويحشرون.
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٣]
قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)

__
(١). قوله «و إن فلانا لمحارف كدأب أبيه» في الصحاح : رجل محارف - بفتح الراء - أى محدود محروم، وهو خلاف قولك : مبارك. (ع)
(٢). أخرجه أبو داود والطبري، من رواية ابن إسحاق عن محمد بن أبى محمد عن سعيد بن جبير، وعكرمة عن ابن عباس قال «لما أصاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قريشاً يوم بدر وقدم المدينة جمع اليهود - الحديث»


الصفحة التالية
Icon