أى بأمر ذى قبول حسن وهو الاختصاص. ويجوز أن يكون معنى (فتقبلها) فاستقبلها، كقولك :
تعجله بمعنى استعجله، وتقصاه بمعنى استقصاه، وهو كثير في كلامهم، من استقبل الأمر إذا أخذه بأوّله وعنفوانه. قال القطامي :
وَخَيْرُ الأَمْرِ مَا اسْتَقْبَلْتَ مِنْهُ وَلَيْسَ بِأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعَا «١»
ومنه المثل «خذ الأمر بقوابله» أى فأخذها في أوّل أمرها حين ولدت بقبول حسن وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها بما يصلحها في جميع أحوالها. وقرئ : وكفلها زكرياء، بوزن وعملها وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا بتشديد الفاء ونصب زكرياء، «٢» الفعل للَّه تعالى بمعنى :
وضمها إليه وجعله كافلا لها وضامناً لمصالحها. ويؤيدها قراءة أبىّ : وأكفلها، من قوله تعالى (فَقالَ أَكْفِلْنِيها) وقرأ مجاهد : فتقبلها ربها، وأنبتها، وكفلها، على لفظ الأمر في الأفعال الثلاثة، ونصب ربها، تدعو بذلك، أى فاقبلها يا ربها وربها، واجعل زكريا كافلا لها. قيل بنى لها زكريا محرابا في المسجد، أى غرفة يصعد إليها بسلم. وقيل المحراب أشرف المجالس ومقدّمها، كأنها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس. وقيل : كانت مساجدهم تسمى المحاريب. وروى أنه كان لا يدخل عليها إلا هو وحده، وكان إذا خرج غلق عليها سبعة أبواب وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً كان رزقها ينزل عليها من الجنة ولم ترضع ثديا قط، فكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء أَنَّى لَكِ هذا من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه والأبواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل به إليك؟ قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا تستبعد. قيل تكلمت وهي صغيرة كما تكلم عيسى وهو في المهد. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم : أنه جاع في زمن قحط «٣» فأهدت له فاطمة رضى اللَّه عنها رغيفين وبضعة لحم آثرته بها، فرجع بها إليها وقال : هلمى يا بنية فكشفت عن الطبق فإذا هو مملوء خبزاً ولحماً، فبهتت وعلمت أنها نزلت من عند اللَّه، فقال لها صلى اللَّه عليه وسلم : أنى لك هذا؟ فقالت :
هو من عند اللَّه، إن اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب. فقال عليه الصلاة والسلام : الحمد للَّه الذي
(١). يقول : خير الأمور هو الذي تستقبله وتنتظره فتأخذه أول إتيانه، وليس خبرها ما تصبر عنه حتى يفوتك ويمضى ثم تتبعه وتذهب وراءه لتدركه، فالباء زائدة في خبر ليس، وهو على تقدير مضاف، أى ذى التتبع.
وتتبعه : أصله تتبعه حذفت منه تاء المضارعة أو تاء التفعل أو التاء التي هي فاء الفعل وهو أولاها، لأن كل من الأوليين جاء لمعنى. وقال الجوهري : وضع الاتباع موضع التتبع اه، فهو اسم مصدر، أو مصدر حذف منه بعض الزوائد، والتفعل أبلغ من الافتعال، فيتعين إرادته هنا لأنه مؤكد.
(٢). قوله «و نصب زكريا الفعل للَّه تعالى» لعله والفعل. (ع) [.....]
(٣). رواه أبو يعلي من حديث جابر، وهو من رواية ابن لهيعة عن ابن المنكدر عنه. والمتن ظاهر النكارة.