نقيض الأوّل، وهي صفة الدار بدليل قوله :(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ) وهي من الصفات الغالبة، وكذلك الدنيا. وعن نافع أنه خففها بأن حذف الهمزة وألقى حركتها على اللام، كقوله (دَابَّةُ الْأَرْضِ) وقرأ أبو حية «١» النميري (يوقنون) بالهمز، جعل الضمة في جار الواو كأنها فيه، فقلبها قلب واو «وجوه» و«وقتت». ونحوه :
لَحُبَّ المُؤْقِدَانِ إلَىَّ مُؤْسَى وَجَعدَةُ إذْ أَضَاءَهُمَا الْوَقُودُ «٢»
[سورة البقرة (٢) : آية ٥]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)
أُولئِكَ عَلى هُدىً الجملة في محل الرفع إن كان الذين يؤمنون بالغيب مبتدأ وإلا فلا محلّ لها. ونظم الكلام على الوجهين : أنك إذا نويت الابتداء بالذين يؤمنون بالغيب، فقد ذهبت به مذهب الاستئناف. وذلك أنه لما قيل :(هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) واختصّ المتقون بأنّ الكتاب لهم هدى، اتجه لسائل أن يسأل فيقول : ما بال المتقين مخصوصين بذلك؟ فوقع قوله :(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) إلى ساقته كأنه جواب لهذا السؤال المقدّر. وجيء بصفة المتقين المنطوية تحتها خصائصهم التي استوجبوا بها من اللَّه أن يلطف بهم، ويفعل بهم ما لا يفعل بمن ليسوا على صفتهم، أى الذين هؤلاء عقائدهم وأعمالهم، أحقاء بأن يهديهم اللَّه ويعطيهم الفلاح. ونظيره

__
(١). قوله «و قرأ أبو حية» لعله : أبو حيوة. (ع) [.....]
(٢). لجرير في مدح هشام بن عبد الملك وموسى ابنه وجعدة بنته، وقيل ابنه أيضا وليس كذلك. واللام للقسم. وحب أصله حبب - كظرف - نقلت حركة الباء إلى الحاء ثم أدغمت في الأخرى. ومعناه : إنشاء المدح كنعم، ويفيد التعجب أيضا ك «مأحبه». وقد تفتح حاؤه إذا كان فاعله ذا والمؤقدان بالهمز فاعل. ومؤسى بالهمز أيضا. وجعدة المخصوص بالمدح على طريقة : نعم لرجل زيد. و«حب» : محول من «حب» الثلاثي كضرب، وإن كان الكثير «أحب» الرباعي لأنه لا يصاغ للمدح إلا من الثلاثي. فان قلت : أهو محول من «حب» المسند للفاعل، أم من «حب» المبنى للمجهول؟ قلت : إن كان من المسند للفاعل فالمؤقدان محبوبان، وإن كان من المسند للمفعول فالتحويل تقديري. فالظاهر أنه مصوغ من المادة من غير ملاحظة إسناد. ويجوز أن «حب» أصله «حبب» - كضرب مبنى للمجهول - فالمؤقدان نائب فاعل، ومؤسى وجعدة بدل أو بيان. والمعنى على الخبر لا الإنشاء. وروى :
أحب الموقدين، باضافة أفعل التفضيل إلى صيغة الجمع فمؤسى وجعدة خبر. وسوغ قلب واو الموقدين وموسى همزة، ضم ما قبلها، فكأنها مضمومة، وهي إذا ضمت تبدل همزة. ويقال : أضاء المكان وأضاءه السراج. وما هنا من الثاني، فهو متعد بمعنى أنارهما الوقود بالضم : أى توقد نار القرى وتلتهبنها، وأما بالفتح فهو ما توقد.
به. وأصل فعول أنه مبالغة في الفاعل كضروب، وكثر بمعنى ما يفعل به الفعل كوقود وسحور، فيحتمل أنه من قبيل اسم المفعول، وأنه من قبيل اسم الآلة شذوذاً. والمعنى : ما أحبهما إلى وقت بأن أظهرتهما النار التي يوقدانها لقرى الأضياف


الصفحة التالية
Icon