العادات، معلوم عند الناس، خصوصا عند العرب في جاهليتهم وما كان قائما بينهم من التغاور والتناحر والتحارب والتحازب، فهو كالمحسوس المشاهد ولأنه قد ذكر السفه وهو جهل فكان ذكر العلم معه أحسن طباقا له. مساق هذه الآية بخلاف ما سيقت له أوّل قصة المنافقين فليس بتكرير، لأن تلك في بيان مذهبهم والترجمة عن نفاقهم، وهذه في بيان ما كانوا يعملون عليه مع المؤمنين من التكذيب لهم والاستهزاء بهم ولقائهم بوجوه المصادقين وإيهامهم أنهم معهم، فإذا فارقوهم إلى شطار دينهم صدقوهم ما في قلوبهم. وروى أن عبد اللَّه بن أبىّ وأصحابه خرجوا ذات يوم فاستقبلهم «١» نفر من أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فقال عبد اللَّه :
انظروا كيف أردّ هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبى بكر فقال : مرحبا بالصدّيق سيد بنى تيم وشيخ الإسلام وثانى رسول اللَّه في الغار، الباذل نفسه وماله لرسول اللَّه. ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحبا بسيد بنى عدىّ الفاروق القوىّ في دين اللَّه، الباذل نفسه وماله لرسول اللَّه. ثم أخذ بيد علىّ فقال : مرحباً بابن عم رسول اللَّه وختنه سيد بنى هاشم ما خلا رسول اللَّه. ثم افترقوا فقال لأصحابه : كيف رأيتمونى فعلت؟ فأثنوا عليه خيراً، فنزلت.
ويقال لقيته ولاقيته إذا استقبلته قريباً منه، وهو جارى ملاقىّ ومراوقى. وقرأ أبو حنيفة : وإذا لاقوا.
وخلوت بفلان وإليه، إذا انفردت معه. ويجوز أن يكون من «خلا» بمعنى : مضى، وخلاك ذمّ : أى عداك ومضى عنك. ومنه : القرون الخالية، ومن «خلوت به» إذا سخرت منه. وهو من قولك : خلا فلان بعرض فلان يعبث به. ومعناه : وإذا أنهوا السخرية بالمؤمنين إلى شياطينهم وحدّثوهم بها. كما تقول : أحمد إليك فلانا، وأذمّه إليك. وشياطينهم : الذين ماثلوا الشياطين في تمرّدهم. وقد جعل سيبويه نون الشيطان في موضع من كتابه أصلية، وفي آخر زائدة. والدليل على أصالتها قولهم : تشيطن، واشتقاقه من «شطن» إذا بعد لبعده من الصلاح والخير. ومن «شاط» إذا بطل إذا جعلت نونه زائدة. ومن أسمائه الباطل.
(١). أخرجه الواحدي في الأسباب من رواية السدى الصغير. ومحمد بن مروان، عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما. قال :«نزلت هذه الآية في عبد اللَّه بن أبى وأصحابه. وذلك أنهم خرجوا ذات يوم» فذكره وفي آخره «فرجعوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبروه فنزلت». ومحمد بن مروان متروك متهم بوضع الحديث وسياقه في غاية النكارة.