بلجام دابته فقال : ما الحج الأكبر؟ قال يومك هذا. خل عن دابتي «١». وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال «هذا يوم الحج الأكبر «٢»» ووصف الحج بالأكبر لأنّ العمرة تسمى الحج الأصغر، أو جعل الوقوف بعرفة هو الحج الأكبر لأنه معظم واجباته، لأنه إذا فات فات الحج، وكذلك إن أريد به يوم النحر، لأن ما يفعل فيه معظم أفعال الحج - فهو الحج الأكبر. وعن الحسن رضى اللّه عنه : سمى يوم الحج الأكبر لاجتماع المسلمين والمشركين فيه وموافقته لأعياد أهل الكتاب، ولم يتفق ذلك قبله ولا بعده، فعظم على قلب كل مؤمن وكافر. حذفت الباء التي هي صلة الأذان تخفيفاً. وقرئ «إن الله» بالكسر، لأنّ الأذان في معنى القول وَرَسُولِهِ عطف على المنوي في بَرِيءٌ أو على محل «إن» المكسورة واسمها : وقرئ بالنصب، عطفاً على اسم «إن» أو لأنّ الواو بمعنى مع : أى بريء معه منهم، وبالجرّ على الجوار. وقيل : على القسم، كقوله : لعمرك. ويحكى أن أعرابياً سمع رجلا يقرؤها فقال : إن كان اللّه بريئاً من رسوله فأنا منه بريء، فلببه الرجل إلى عمر، فحكى الأعرابى قراءته، فعندها أمر عمر رضى اللّه عنه بتعلم العربية «٣» فَإِنْ تُبْتُمْ من الكفر والغدر فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة، أو ثبتم على التولي والإعراض عن الإسلام والوفاء فاعلموا أنكم غير سابقين اللّه تعالى ولا فائتين أخذه وعقابه.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤]
إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)
فإن قلت : مم استثنى قوله إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ «٤»؟ قلت : وجهه أن يكون مستثنى من

__
(١). أخرجه ابن أبى شيبة والطبري من رواية شعبة عن الحاكم عن يحيى بن الجزار عن على «أنه خرج يوم النحر على بغلة بيضاء يريد الجبانة فجاء رجل فأخذ بلجام دابته وسأله عن الحج الأكبر فقال : هو يومك هذا خل سبيلها
(٢). أخرجه البخاري تعليقا وأبو داود والحاكم من رواية هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر مطولا ورواه الطبراني والطبري وأبو نعيم في الحل؟؟؟؟ ببة وابن أبى حاتم مختصراً من طريق سعيد بن عبد العزيز عن نافع عن ابن عمر رضى اللّه عنهما «أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رمى الجمرة يوم النحر. وقال : هذا يوم الحج الأكبر»
وفي الباب عن على رضى اللّه عنه، أخرجه الترمذي مرفوعا وموقوفا. وعن ابن أبى أو في عند الطبراني. وعن ابن مسعود في تاريخ أصبهان لأبى نعيم في ترجمة عمر بن هارون.
(٣). لم أجده بإسناده وذكره القرطبي في التذكرة عن ابن أبى مليكة قال «قدم أعرابى في زمن عمر فذكره أتم منه، وزاد في آخره : وأمر بأبى الأسود، فوضع النحو اه والمشهور أن الذي أمر أبا الأسود بوضع النحو على بن أبى طالب رضى اللّه عنه.
(٤). قال محمود :«إن قلت مم هذا الاستثناء قلت وجهه أن يكون مستثنى... الخ»
قال أحمد : ويجوز أن يكون قوله فسيحوا خطابا من اللّه تعالى المشركين غير مضمر قبله القول، ويكون الاستثناء على هذا من قوله إلى الذين عاهدتم، كأنه قيل براءة من اللّه ورسوله إلى المعاهدين لا الباقين على العهد، فأتموا إليهم أيها المسلمون عهدهم، ويكون فيه خروج من خطاب المسلمين في قوله إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ إلى خطاب المشركين في قوله فَسِيحُوا ثم التفات من التكلم إلى الغيبة بقوله : وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وأن اللّه وأصله واعلموا أنكم غير معجزي وأنى، وفي هذا الالتفات بعد الالتفات الأول افتنان في أساليب البلاغة وتفخيم للشأن وتعظيم للأمر ثم يتلو هذا الالتفات العود إلى خطاب المسلمين بقوله : إلا الذين عاهدتم ثم لم ينقصوكم فأتموا، وكل هذا من حسنات الفصاحة وإنما بعث الزمخشري على تقدير القول قبل فَسِيحُوا مراعاة أن يطابق قوله فأتموا، إذا المخاطب على هذا التقدير المسلمون أولا وثانيا ولا يكون فيه شيء من الالتفاتات المبنية على التأويل الذي ذكرناه، وكلا الوجهين ممتاز بنوع من البلاغة وطرف من الفصاحة، واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon