والأنصار على أسارى بدر فعيروهم بالشرك، فطفق علىّ ابن أبى طالب رضى اللّه عنه يوبخ العباس بقتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقطيعة الرحم، وأغلظ له في القول. فقال العباس :
تذكرون مساوينا وتكتمون محاسننا. فقال : أو لكم محاسن؟ قالوا : نعم ونحن أفضل منكم أجراً : إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج ونفك العاني، فنزلت حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التي هي العمارة والحجابة والسقاية وفك العناة. وإذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال «١» الثابتة الصحيحة إذا تعقبها، فما ظنك بالمقارن. وإلى ذلك أشار في قوله شاهِدِينَ حيث جعله حالا عنهم ودل على أنهم قارنون بين العمارة والشهادة بالكفر على أنفسهم في حال واحدة، وذلك محال غير مستقيم.
[سورة التوبة (٩) : آية ١٨]
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ وقرئ بالتوحيد، أى : إنما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها، والعمارة تتناول رمّ ما استرمّ منها، وقمها وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر، ومن الذكر درس العلم، بل هو أجله وأعظمه، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا فضلا عن فضول الحديث. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«يأتى في آخر الزمان ناس من أمتى يأتون المساجد فيقاعدون فيها حلقاً «٢» ذكرهم الدنيا وحب الدنيا لا تجالسوهم فليس للّه بهم حاجة «٣»» وفي الحديث «الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهيمة الحشيش «٤»» وقال عليه السلام :«و قال اللّه تعالى : إن بيوتي في أرضى المساجد، وإنّ زوّارى فيها عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، فحق على المزور أن يكرم «٥» زائره. وعنه
(١). قال محمود :«إذا هدم الكفر أو الكبيرة الأعمال... الخ» قال أحمد : كلام صحيح إلا قوله «إن الكبيرة تهدم الأعمال، فانه تفريع على قاعدة المعتزلة، والحق خلافها.
(٢). قوله «فيقاعدون فيها حلقا» في نسخة : فيعدون. وفي أخرى : فيغدون. وليحرر. (ع)
(٣). أخرجه الطبراني من رواية أبى وائل عن ابن مسعود رفعه «سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا، مناهم الدنيا لا تجالسوهم. فليس للّه فيهم حاجة» وفيه بديع أبو الخليل راويه عن الأعمش عنه.
وهو متروك وقال الدارقطني : إنه تفرد به، وفيه نظر. فقد أخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق عيسى بن يونس عن الأعمش بلفظ «سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في مساجدهم ليس للّه فيهم حاجة» وفي الباب عن أنس رفعه «يأتى على الناس زمان يتحلقون في مساجدهم، وليس همتهم إلا الدنيا لا تجالسوهم فليس للّه فيهم حاجة» أخرجه الحاكم من طريق الثوري عن عوف عن الحسن عنه.
(٤). يأتى في لقمان. [.....]
(٥). لم أجده هكذا وفي الطبراني عن سلمان عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «من توضأ في بيته فأحسن الوضوء.
ثم أتى المسجد فهو زائر للّه، وحق على المزور أن يكرم زائره» وروى عبد الرزاق ومن طريقه الطبري عن معمر عن ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون. قال «و كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقولون : إن بيوت اللّه في الأرض المساجد، وإن حقا على اللّه أن يكرم من زاره فيها» ومن هذا الوجه. أخرجه عبد اللّه بن المبارك في الزهد.