الزينة : ما يتزين به من لباس أو حلى أو فرش أو أثاث أو غير ذلك. وعن ابن عباس رضى اللّه عنه : كانت لهم من فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن من ذهب وفضة وزبرجد وياقوت. فإن قلت : ما معنى قوله رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ؟ قلت : هو دعاء بلفظ الأمر «١»، كقوله رَبَّنَا اطْمِسْ، وَاشْدُدْ، وذلك أنه لما عرض عليهم آيات اللّه وبيناته عرضا مكرّرا وردّد عليهم النصائح والمواعظ زماناً طويلا، وحذرهم عذاب اللّه وانتقامه، وأنذرهم عاقبة ما كانوا عليه من الكفر والضلال المبين، ورآهم لا يزيدون على عرض الآيات إلا كفراً، وعلى الإنذار إلا استكبارا، وعن النصيحة «٢» إلا نبوّا، ولم يبق له مطمع فيهم، وعلم بالتجربة وطول الصحبة أنه لا يجيء منهم إلا الغى والضلال، وأنّ إيمانهم كالمحال الذي لا يدخل تحت الصحة، أو علم ذلك بوحي من اللّه - اشتد غضبه عليهم، وأفرط مقته وكراهته لحالهم، فدعا اللّه عليهم بما علم أنه لا يكون غيره، كما تقول : لعن اللّه إبليس، وأخزى اللّه الكفرة، مع علمك أنه لا يكون غير ذلك، وليشهد عليهم بأنه لم يبق له فيهم حيلة، وأنهم لا يستأهلون إلا أن يخذلوا ويخلى بينهم وبين ضلالهم يتسكعون «٣» فيه، كأنه قال : ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال.
وليكونوا ضلالا، «٤» وليطبع اللّه على قلوبهم فلا يؤمنوا وما علىّ منهم، هم أحق بذلك وأحق، كما يقوله الأب المشفق لولده الشاطر إذا ما لم يقبل منه، حسرة على ما فاته من قبول نصيحته، وحرداً «٥» عليه، لا أن يريد خلاعته واتباعه هواه. ومعنى الشدّ على القلوب. الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان فَلا يُؤْمِنُوا جواب للدعاء الذي هو «اشدد» أو دعاء بلفظ النهى، وقد

__
(١). قال محمود :«قلت هو دعاء بلفظ الأمر... الخ» قال أحمد : وهذا من اعتزاله الخفي الذي هو أدق من دبيب النمل، يكاد الاطلاع عليه أن يكون كشفا. ووجه ذلك أنه علم أن الظاهر بل والباطن أن اللام التعليل، وأن الفعل منصوب بها، ومعنى ذلك إخبار موسى عليه السلام بأن اللّه إنما أمدهم بالزينة والأموال وما يتبعهما من النعم استدراجا ليزدادوا إثما وضلالة، كما أخبر تعالى عن أمثالهم بقوله إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وهذا المعنى منتظم على جعل اللام التعليل، والزمخشري بنى على القاعدة الفاسدة في استحالة ذلك على اللّه تعالى، لاعتقاده أن من الجور أن يملى لهم في الضلالة ويعاقبهم عليها، فهو متبتل لما يرد من الآيات بعمل الحيلة في تأويلها وردها إلى معتقده وجعلها تبعا له، كما تقدم له في تأويل قوله لِيَزْدادُوا إِثْماً وكأين من آية غراء رام أن يسترغرتها ويطفئ نورها بأمثال هذه التأويلات الرديثة لفظاً وعقداً، ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره، ثم لا يسعه إلا أن يحمل موسى عليه السلام على أمثال هذه المعتقدات، ولقد برأه اللّه وكان عند اللّه وجيها.
(٢). قوله «و عن النصيحة» لعله وعلى (ع)
(٣). قوله «يتسكعون» في الصحاح :«التسكع» التمادي في الباطل. (ع)
(٤). قوله «و ليكونوا ضلالا» هذا على قراءة «ليضلوا» بفتح الياء. والقراءة المشهورة لِيُضِلُّوا بضمها.
وعبارة النسفي : ليضلوا الناس عن طاعتك اه (ع)
(٥). قوله «و حرداً عليه» في الصحاح : الحرد - بالتحريك : الغضب. (ع)


الصفحة التالية
Icon