فسوف تعلمون الذي يأتيه عذاب يخزيه، ويعنى به إياهم، ويريد بالعذاب : عذاب الدنيا وهو الغرق وَيَحِلُّ عَلَيْهِ حلول الدين والحق اللازم الذي لا انفكاك له عنه عَذابٌ مُقِيمٌ وهو عذاب الآخرة.
[سورة هود (١١) : الآيات ٤٠ إلى ٤١]
حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠) وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)
حَتَّى هي التي يبتدأ بعدها الكلام، دخلت على الجملة من الشرط والجزاء. فإن قلت :
وقعت غاية لما ذا؟ قلت : لقوله : ويصنع الفلك، أى : وكان يصنعها إلى أن جاء وقت الموعد.
فإن قلت :«فإذا اتصلت «حتى» بيصنع فما تصنع بما بينهما من الكلام؟ قلت : هو حال من يصنع، كأنه قال : يصنعها والحال أنه كلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه. فإن قلت : فما جواب كلما؟
قلت : أنت بين أمرين : إما أن تجعل سَخِرُوا جواباً وقالَ استئنافا، على تقدير سؤال سائل. أو تجعل سَخِرُوا بدلا من مَرَّ أو صفةل مَلَأٌ وقالَ جوابا. وَأَهْلَكَ عطف على اثنين، وكذلك وَمَنْ آمَنَ يعنى : واحمل أهلك والمؤمنين من غيرهم. واستثنى من أهله من سبق عليه القول أنه من أهل النار، وما سبق عليه القول بذلك إلا للعلم بأنه يختار الكفر، لا لتقديره عليه «١» وإرادته به - تعالى اللّه عن ذلك - قال الضحاك : أراد ابنه وامرأته إِلَّا قَلِيلٌ روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«كانوا ثمانية : نوح وأهله، وبنوه الثلاثة، ونساؤهم» «٢» وعن محمد بن إسحاق : كانوا عشرة : خمسة رجال وخمس نسوة. وقيل كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة، وأولاد نوح : سام وحام ويافث، ونساؤهم. فالجميع ثمانية وسبعون : نصفهم رجال ونصفهم نساء. ويجوز أن يكون كلاما واحداً وكلامين، فالكلام الواحد : أن يتصل بِسْمِ اللَّهِ باركبوا حالا من الواو، بمعنى : اركبوا فيها مسمين اللّه. أو قائلين بسم اللّه وقت إجرائها ووقت إرسائها، إما لأن المجرى والمرسى للوقت، وإما لأنهما مصدران كالإجراء والإرساء، حذف منهما الوقت المضاف، كقولهم خفوق النجم، ومقدم الحاج.
ويجوز أن يراد مكانا الإجراء والإرساء، وانتصابهما بما في بِسْمِ اللَّهِ من معنى الفعل، أو بما فيه

__
(١). قوله «يختار الكفر لا لتقديره عليه» هذا على مذهب المعتزلة من عدم سبق القضاء والقدر على الشر وعدم إرادته، ولكن مذهب أهل السنة أن كل ممكن مسبوق بالقضاء والقدر والارادة ولو شراً. (ع)
(٢). لم أره مرفوعا. وذكره الطبري بإسناد عن قتادة قال : ذكر لنا أن لم يتم في السفينة إلا نوح وامرأته وبنوه الثلاثة ونساؤهم. فجميعهم ثمانية.


الصفحة التالية
Icon