من الإسناد المجازى : جعل أكل أهلهنّ مسنداً إليهنّ تُحْصِنُونَ تحرزون وتخبؤن يُغاثُ النَّاسُ من الغوث أو من الغيث. يقال : غيثت البلاد، إذا مطرت. ومنه قول الأعرابية : غثنا ما شئنا.
يَعْصِرُونَ بالياء والتاء : يعصرون العنب والزيتون والسمسم. وقيل : يحلبون الضروع.
وقرئ : يعصرون، على البناء للمفعول، من عصره إذا أنجاه، وهو مطابق للإغاثة. ويجوز أن يكون المبنى للفاعل بمعنى ينجون، كأنه قيل : فيه يغاث الناس وفيه يغيثون أنفسهم، أى يغيثهم اللّه ويغيث بعضهم بعضاً وقيل يَعْصِرُونَ يمطرون، من أعصرت السحابة. وفيه وجهان : إمّا أن يضمن أعصرت معنى مطرت، فيعدّى تعديته. وإمّا أن يقال : الأصل أعصرت عليهم فحذف الجار وأوصل الفعل. تأوّل البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشرهم بعد الفراغ من تأويل الرؤيا بأنّ العام الثامن يجيء مباركا خصيباً كثير الخير غزير النعم، وذلك من جهة الوحى. وعن قتادة : زاده اللّه علم سنة.
فإن قلت : معلوم أنّ السنين المجدبة إذا انتهت كان انتهاؤها بالخصب، وإلا لم توصف بالانتهاء، فلم قلت إنّ علم ذلك من جهة الوحى؟ قلت : ذلك معلوم علماً مطلقاً لا مفصلا. وقوله فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ تفصيل لحال العام، وذلك لا يعلم إلا بالوحي.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٥٠ إلى ٥١]
وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١)
إنما تأنى وتثبت في إجابة الملك، وقدّم سؤال النسوة ليظهر براءة ساحته عما قرف «١» به وسجن فيه، لئلا يتسلق به الحاسدون «٢» إلى تقبيح أمره عنده، ويجعلوه سلماً إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا ما خلد في السجن سبع سنين إلا لأمر عظيم وجرم كبير حق به أن يسجن ويعذب ويستكف شرّه.
وفيه دليل على أنّ الاجتهاد في نفى التهم واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها، قال عليه السلام :
(١). قال محمود :«إنما تأنى وتثبت في إجابة الملك لتظهر براءة ساحته عما قرف به... الخ» قال أحمد : ولقد مدحه النبي صلى اللّه عليه وسلم على هذه الأناة بقوله : ولو لبثت في السجن بعض ما لبثت يوسف لأجبت الداعي، وكان في طيّ هذه المدحة بالأناة والتثبت تنزيهه وتبرئته مما لعله يسبق إلى الوهم من أنه هم بزليخا هما يؤاخذ به، لأنه إذا صبر وتثبت فيما له أن لا يصير فيه وهو الخروج من السجن، مع أن الدواعي متوفرة على الخروج منه، فلأن يصبر فيما عليه أن يصبر فيه من الهم أولى وأجدر، واللّه أعلم.
(٢). قوله «عما قرف به الخ» أى اتهم به. والتسلق : التوسل. (ع)