ومعناه : ووقع من قبل تفريطكم في يوسف. أو النصب عطفاً على مفعول أَلَمْ تَعْلَمُوا وهو أَنَّ أَباكُمْ كأنه قيل : ألم تعلموا أخذ أبيكم عليكم موثقاً وتفريطكم من قبل في يوسف، وأن تكون موصولة بمعنى : ومن قبل هذا ما فرطتموه، أى قدّمتموه في حق يوسف من الجناية العظيمة، ومحله الرفع أو النصب على الوجهين فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ فلن أفارق أرض مصر حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي في الانصراف إليه أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي بالخروج منها، أو بالانتصاف ممن أخذ أخى، أو بخلاصه من يده بسبب من الأسباب وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ لأنه لا يحكم أبداً إلا بالعدل والحق.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨١]
ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١)
وقرئ سَرَقَ أى نسب إلى السرقة وَما شَهِدْنا عليه بالسرقة إِلَّا بِما عَلِمْنا من سرقته «١» وتيقناه، لأنّ الصواع استخرج من وعائه ولا شيء أبين من هذا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق «٢». أو ما علمنا أنك تصاب به كما أصبت بيوسف. ومن قرأ سَرَقَ فمعناه : وما شهدنا إلا بقدر ما علمنا من التسريق، وما كنا للغيب : للأمر الخفي حافظين، أسرق بالصحة أم دسّ الصاع في رحله ولم يشعر.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٢ إلى ٨٣]
وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٨٢) قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣)

__
(١). قال : محمود «معناه وما شهدنا عليه بالسرقة إلا بما علمناه من سرقته... الخ» قال أحمد : إما أن يكون مقتضى شرعهم حينئذ أن مجرد وجود الشيء بيد المدعى عليه بعد إنكاره يوجب له أحكام السارق فيكون العلم على ظاهره إذا. وإما أن لا يكون كذلك، فهذا القدر من مجرد وجوده في رحله لا يوجب علم كونه سارقا. وغايته أن يفيد ظناً بيناً، فيكون المراد بالعلم هاهنا الظن. وقد ورد مثله، ويكون قولهم وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ تنبيها على أن مستندهم فيما قالوه ظن بمقتضى ظاهر الحال. وأما كشف باطن الأمر الموجب للعلم فليسوا يدعونه عليه.
(٢). عاد كلامه. قال :«و قولهم وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ معناه : وما علمنا أنه سيسرق حين أعطيناك الموثق...
الخ»
قال أحمد : وإنما تلتئم القراءتان على التأويل الذي ذكرته، وهو أنهم إنما أضافوا إليه السرقة ظنا بمقتضى ظاهر الحال، واحترزوا أن يعتقد أنهم علموا ذلك حقيقة فقالوا : وما كنا للغيب حافظين فالقراءتان على التأويل المذكور يقتضيان تبرئتهم من دعوى العلم الجازم عليه. وأما على غيره من التأويلات المذكورة فلا تنتظم القراءتان لأن مقتضى الأولى الجزم عليه بالسرقة علما. ومقتضى الثانية التبري من الجزم، واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon