إبراهيم وقال :«القلب يجزع، والعين تدمع، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون «١»» وإنما الجزع المذموم ما يقع من الجهلة من الصياح والنياحة، ولطم الصدور والوجوه، وتمزيق الثياب. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه بكى على ولد بعض بناته وهو يجود بنفسه، فقيل : يا رسول اللّه، تبكى وقد نهيتنا عن البكاء؟ فقال : ما نهيتكم عن البكاء وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين : صوت عند الفرح، وصوت عند الترح «٢» : وعن الحسن أنه بكى على ولد أو غيره، فقيل له في ذلك، فقال : ما رأيت اللّه جعل الحزن عاراً على يعقوب فَهُوَ كَظِيمٌ فهو مملوة من الغيظ «٣» على أولاده ولا يظهر ما يسوؤهم، فعيل بمعنى مفعول، بدليل قوله وَهُوَ مَكْظُومٌ من كظم السقاء إذا شدّه على ملئه، والكظم بفتح الظاء : مخرج النفس.
يقال : أخذ بأكظامه.
[سورة يوسف (١٢) : آية ٨٥]
قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ (٨٥)
تَفْتَؤُا أراد : لا تفتؤ، فحذف حرف النفي لأنه لا يلتبس بالإثبات، لأنه لو كان إثباتا لم يكن بدّ من اللام والنون. ونحوه :
فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِداً «٤»
(١). متفق عليه من حديث أنس.
(٢). قال المخرج : عزاه الطيبي إلى الصحيحين فلم يصب. ولم يرد هذا في ولد بعض بناته وإنما ورد في ولده إبراهيم كما أخرجه الترمذي وابن أبى شيبة وإسحاق وعبد بن حميد وغيرهما من حديث جابر. وأخرجه الحاكم من حديث عبد الرحمن ابن عوف نحوه. والذي ورد في بعض بناته متفق عليه من حديث أسامة وفيه «ففاضت عيناه فقال له سعد : ما هذا يا رسول اللّه؟ قال هذه رحمة جعلها اللّه في قلوب عباده» قلت والأول إنما هو بلفظ «قال عبد الرحمن بن عوف :
أتبكي، أو لم تكن نهيت عن البكاء؟ قال : لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين : صوت عند مصيبة، وخمش وجوه، ورنة شيطان، وشق جيوب. وصوت نغمة لعب ولهو ومزامير شيطان».
(٣). قوله «فهو مملوء من الغيظ» أى الغضب الكامن. أفاده الصحاح. قوله «و لا يظهر ما يسوؤهم» أى لما صنعوا بيوسف وأخيه. (ع) [.....]
(٤) سموت إليها بعد ما نام أهلها سمو حباب الماء حالا على حال
فقلت يمين اللّه أبرح قاعداً ولو قطعوا رأسى لديك وأوصالى
لامرئ القيس. يقول : سموت إلى محبوبتى سلمى بعد نوم أهلها، ولم يسمع لي أحد صوتا، ولم تشعر بى هي إلا وأنا عندها، كسمو حباب الماء فوقه بسهولة. وحباب الماء - بالضم : اسم لثعبان الماء. وحباب الماء - بالفتح - :
فقاقعه التي تعلوه. وقوله :«حالا على حال» واقع موقع الحال المؤكدة للتشبيه، أى : حالا منطبقا على حال ومساويا له، كقولك «سواء بسواء» وهاهنا حذف، أى : فخوفتنى بالقوم، فقلت : يمين اللّه أبرح، أى : لا أبرح قاعدا.
وحذف «لا» النافية للمضارع بعد القسم كثير لأمن اللبس، ولأنه لولا تقديرها لوجب اقتران الفعل بلام جواب القسم أو بنون التوكيد أو بهما. ويمين : نصب بمحذوف، أى أحلف يمين اللّه، فهو كالمصدر النائب عن فعله.
وبقية القصة تقدمت.