من معنى الاستقرار. أو بيغفر. والمعنى : لا أثر بكم اليوم، وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب، فما ظنكم بغيره من الأيام، ثم ابتدأ فقال يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ فدعا لهم بمغفرة ما فرط منهم. يقال :
غفر اللّه لك، ويغفر اللّه لك، على لفظ الماضي والمضارع جميعاً. ومنه قول المشمت «يهديكم اللّه ويصلح بالكم» والْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ بشارة بعاجل غفران اللّه، لما تجدّد يومئذ من توبتهم وندمهم على خطيئتهم. وروى أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح، فقال لقريش : ما ترونني فاعلا بكم؟ قالوا : نظن خيراً، أخ كريم وابن أخر كريم، وقد قدرت. فقال : أقول ما قال أخى يوسف : لا تثريب عليكم اليوم «١». وروى أنّ أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس : إذا أتيت الرسول فاتل عليه لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ففعل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : غفر اللّه لك ولمن علمك «٢». ويروى أن إخوته لما عرفوه وأرسلوا إليه :
إنك تدعونا إلى طعامك بكرة وعشية، ونحن نستحيى منك لما فرط منا فيك، فقال يوسف :
إنّ أهل مصر وإن ملكت فيهم، فإنهم ينظرون إلىّ بالعين الأولى ويقولون سبحان من بلغ عبداً بيع بعشرين درهما ما بلغ، ولقد شرفت الآن بكم وعظمت في العيون حيث علم الناس أنكم إخوتى، وأنى من حفدة إبراهيم اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا قيل هو القميص المتوارث الذي كان في تعويذ يوسف وكان من الجنة، أَمره جبريل عليه السلام أن يرسله إليه فإنّ فيه ريح الجنة، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي يَأْتِ بَصِيراً يصر بصيراً، كقولك : جاء البناء محكما، بمعنى صار. ويشهد له فَارْتَدَّ بَصِيراً أو يأت إلىّ وهو بصير. وينصره قوله وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ أى يأتنى أبى، ويأتنى آله جميعاً وقيل : يهوذا هو الحامل، قال : أنا أحزنته بحمل القميص ملطوخاً بالدم إليه، فأفرّحه كما أحزنته. وقيل : حمله وهو حاف حاسر «٣» من مصر إلى كنعان، وبينهما مسيرة ثمانين فرسخاً.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٩٤ إلى ٩٦]
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (٩٤) قالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (٩٥) فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٩٦)
(١). أخرجه النسائي والبيهقي من رواية ثابت عن عبد الرحمن بن رباح عن أبى هريرة بمعناه وأتم منه. وأخرجه الثعلبي من رواية سمعان عن عطاء عن ابن عباس بهذا اللفظ وأتم منه. وكذا ذكره ابن إسحاق عن بعض أهل العلم وقال فيه «قدرت فاسمح» وكذا أخرجه الواقدي في المغازي من حديث برة بنت تجراة. ورواه أبو عبيد في الأموال عن إسماعيل بن عياش عن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبى حسين.
(٢). لم أجده
(٣). قوله «و هو حاف حاسر» أى لا مغفر له ولا درع، أفاده الصحاح. (ع)