كأنه قيل : سواء منكم اثنان : مستخف بالليل، وسارب بالنهار. والضمير في لَهُ مردود على مِنْ كأنه قيل : لمن أسرّ ومن جهر، ومن استخفى ومن سرب مُعَقِّباتٌ جماعات من الملائكة تعتقب في حفظه وكلاءته، والأصل : معتقبات، فأدغمت التاء في القاف، كقوله وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ بمعنى المعتذرون. ويجوز معقبات، بكسر العين ولم يقرأ به. أو هو مفعلات من عقبه إذا جاء على عقبه، كما يقال : قفاء، لأنّ بعضهم يعقب بعضاً. أو لأنهم يعقبون ما يتكلم به فيكتبونه يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هما صفتان جميعاً، «١» وليس مِنْ أَمْرِ اللَّهِ بصلة للحفظ، كأنه قيل : له معقبات من أمر اللّه. أو يحفظونه من أجل أمر اللّه، أى : من أجل أنّ اللّه أمرهم بحفظه. والدليل عليه قراءة على رضى اللّه عنه وابن عباس وزيد بن على وجعفر بن محمد وعكرمة : يحفظونه بأمر اللّه. أو يحفظونه من بأس اللّه ونقمته إذا أذنب، بدعائهم له ومسألتهم ربهم أن يمهله رجاء أن يتوب وينيب، كقوله قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ وقيل : المعقبات الحرس والجلاوزة «٢» حول السلطان، يحفظونه في توهمه وتقديره من أمر اللّه أى من قضاياه ونوازله، أو على التهكم به، وقرئ له معاقيب جمع معقب أو معقبة.
والياء عوض من حذف إحدى القافين في التكسير إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ من العافية والنعمة حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ من الحال الجميلة بكثرة المعاصي مِنْ والٍ ممن يلي أمرهم ويدفعه عنهم.
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١٢ إلى ١٣]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)
(١). عاد كلامه. قال : ومعنى قوله لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ هما صفتان جميعا وليس من أمر اللّه بصلة الحفظ كأنه قيل له... الخ» قال أحمد : وحقيقة هذا الوجه أنهم يحفظونه من الأمر الذي علم اللّه أنه يدفعه عنه بسبب دعائهم. ولولا هذا السبب لكان في علم اللّه أن النقمة تحل عليه، لأن اللّه عز وجل يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون، وسع ربنا كل شيء علما.
(٢). قوله «و الجلاوزة» في الصحاح «الجلواز» الشرطي، والجمع الجلاوزة. (ع)