فَرْعُ نَبْعٍ يَهَشُّ فِى غُصُنِ الْمَجْ دِ غَزِيرُ النّدَى شَدِيدُ الْمِحَالِ «١»
والمعنى أنه شديد المكر والكيد لأعدائه، يأتيهم بالهلكة من حيث. لا يحتسبون. وقرأ الأعرج بفتح الميم، على أنه مفعل، من حال يحول محالا إذا احتال. ومنه : أحول من ذئب، أى أشدّ حيلة. ويجوز أن يكون المعنى : شديد الفقار «٢»، ويكون مثلا في القوة والقدرة كما جاء :
فساعد اللّه أشدّ، وموساه أحدّ، لأن الحيوان إذا اشتدّ محاله، كان منعوتاً بشدّة القوّة والاضطلاع بما يعجز عنه غيره. ألا ترى إلى قولهم : فقرته الفواقر؟ وذلك أن الفقار عمود الظهر وقوامه.
[سورة الرعد (١٣) : آية ١٤]
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤)
دَعْوَةُ الْحَقِّ فيه وجهان، أحدهما : أن تضاف الدعوة إلى الحق «٣» الذي هو نقيض الباطل، كما تضاف الكلمة إليه في قولك : كلمة الحق، للدلالة على أن الدعوة ملابسة للحق مختصة به، وأنها بمعزل من الباطل. والمعنى أن اللّه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة، ويعطى الداعي سؤاله إن كان مصلحة له، فكانت دعوة ملابسة للحق، لكونه حقيقاً بأن يوجه إليه الدعاء، لما في دعوته من الجدوى والنفع، بخلاف ما لا ينفع ولا يجدى دعاؤه. والثاني : أن
(١). فرع كل شيء أعلاه. والنبع : شجر تتخذ منه القسي. والهش من كل شيء : ما فيه رخاوة وليونة. وهش إليه، من باب تعب وضرب : ضحك وانبسط إليه، أى هو كفرع النبع في العلو وللصلابة في الحروب. وشبه المجد بشجرة طيبة على طريق المكنية، فاضافة الغصن إليه تخييل لذلك. ويحتمل أنه شبه قومه بأغصان الشجرة المثمرة على طريق التصريحية، وإضافتها للمجد قرينة على ذلك. وفيها دلالة على أن المجد منهم كالثمر من الأغصان، غزير الندى كثير العطاء شديد المحال، أى المماحلة والمكايدة، وهو كالتفسير التشبيه الأول، وغزير الندى كالتفسير الثاني، وهو من بديع الكلام.
(٢). قوله «و يجوز أن يكون المعنى شديد الفقار» في الصحاح : والمحالة أيضا : الفقارة، وفيه «الفقارة» واحدة فقار الظهر. (ع)
(٣). قال محمود :«فيه وجهان : أحدهما أن تضاف الدعوة إلى الحق... الخ» قال أحمد : دس تحت تأويل الأول نبذة من الاعتزال على وجه الاختزال. فحجر واسعاً من لطف اللّه واستجابته أدعية عباده، وحتم رعاية المصالح، وجعل معنى إضافة الدعوة إلى الحق التباسها بالمصلحة، وقد انكشف الغطاء وتبين أن اللّه تعالى لا تعلل أفعاله ولا تقف استجابته على الشرط المذكور، وغرضنا إيقاظ المطالع لهذه المواضع من غفلة يتحيز بها إلى بدعة وضلالة، واللّه الموفق.