كما سخرت لداود عليه السلام إن كنت نبياً كما تزعم، فلست بأهون على اللّه من داود. وسخر لنا به الريح لنركبها ونتجر إلى الشام ثم نرجع في يومنا، فقد شق علينا قطع المسافة البعيدة كما سخرت لسليمان عليه السلام. أو ابعث لنا به رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا : منهم قصى بن كلاب «١» فنزلت. ومعنى تقطيع الأرض على هذا : قطعها بالسير ومجاوزتها. وعن الفراء : هو متعلق بما قبله. والمعنى : وهم يكافرون بالرحمن وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ وما بينهما اعتراض، وليس ببعيد من السداد.
وقيل قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ شققت فجعلت أنهارا وعيونا بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً على معنيين، أحدهما : بل للّه القدرة على كل شيء، وهو قادر على الآيات التي اقترحوها، إلا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه. والثاني : بل للّه أن يلجئهم إلى الإيمان، وهو قادر على الإلجاء لولا أنه بنى أمر التكليف على الاختيار. ويعضده قوله أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ يعنى مشيئة الإلجاء والقسر «٢» لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً ومعنى أَفَلَمْ يَيْأَسِ أفلم يعلم. قيل : هي لغة قوم من النخع. وقيل : إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمنه معناه، لأنّ اليائس عن الشيء عالم بأنه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن ذلك. قال سحيم بن وثيل الرياحي :
أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إذْ يَيْسِرُونَنِى أَلَمْ تَيْأَسُوا أنِّى ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ «٣»
ويدل عليه أن علياً وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين قرءوا : أفلم يتبين، وهو تفسير أَفَلَمْ يَيْأَسِ وقيل : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوى السينات، وهذا ونحوه مما لا يصدق
(١). لم أجده بهذا السياق، وقد روى ابن ربيعة عن أبى أسامة عن مجالد عن الشعبي قال قالت قريش النبي صلى اللّه عليه وسلم «إن كنت نبياً كما تزعم فباعد بين جبلي مكة - أحسبها هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة حتى تزرع فيها ونرعى، وابعث لنا آباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرون أنك نبى، أو احملنا إلى الشام، أو إلى اليمن، أو إلى الحيرة، حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت أنك فعلت. فأنزل اللّه تعالى وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً - الآية وروى ابن أبى حاتم وابن مردويه من طريق عطية بن أبى سعيد قال قالوا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم :«لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه الريح» وروى أبو يعلى من حديث الزبير بن العوام يقول «لما نزلت : وأنذر عشيرتك الأقربين صاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا آل قريش، فجاءته قريش. فحذرهم وأنذرهم فقالوا : تزعم أنك نبى وأن سليمان سخر له الريح والجبال، وأن موسى سخر له البحر، وأن عيسى كان يحيى الموتى. فادع اللّه أن يسير عنا هذه الجبال وتنفجر لنا الأرض أنهارا فنتخذها محارث فنزرع ونأكل أو ادع اللّه أن يحيى لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا أو ادع اللّه أن يصبر هذه الصخرة التي بجنبك ذهبا فننحت منها ويغنينا قال : فبينما نحن حوله إذ نزل عليه الوحى. فلما سرى عنه قال : والذي نفسي بيده، لقد أعطانى ما سألتم ولو شئت كان ولكن أخبرنى أنه إن أعطاكم ذلك ثم كفرتم يعذبكم. فنزلت».
(٢). قوله «أن لو يشاء اللّه يعنى مشيئة الإلجاء» هذا عند المعتزلة دون أهل السنة. (ع)
(٣). مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢٦١ فراجعه إن شئت اه مصححه.