المسلمين من بلادهم، فننقص دار الحرب ونزيد في دار الإسلام، وذلك من آيات النصرة والغلبة ونحوه أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها، أَفَهُمُ الْغالِبُونَ، سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ والمعنى : عليك بالبلاغ الذي حملته، ولا تبهتم بما وراء ذلك فنحن نكفيكه ونتم ما وعدناك من الظفر، ولا يضجرك تأخره، فإن ذلك لما نعلم من المصالح التي لا تعلمها ثم طيب نفسه ونفس عنها بما ذكر من طلوع تباشير الظفر. وقرئ : ننقصها، بالتشديد لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ لا رادّ لحكمه. والمعقب : الذي يكرّ على الشيء فيبطله. وحقيقته : الذي يعقبه أى يقفيه بالردّ والإبطال. ومنه قيل لصاحب الحق : معقب، لأنه يقفى غريمه بالاقتضاء والطلب. قال لبيد :
طَلَبُ الْمُعَقِّبِ حَقّهُ الْمَظْلُومُ «١»
والمعنى : أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ فعما قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا. فإن قلت : ما محل قوله لا معقب لحكمه؟ قلت : هو جملة محلها النصب على الحال، كأنه قيل : واللّه يحكم نافذاً حكمه، كما تقول جاءني زيد لا عمامة على رأسه ولا قلنسوة، تريد حاسراً.
[سورة الرعد (١٣) : آية ٤٢]
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وصفهم بالمكر، ثم جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره فقال فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً ثم فسر ذلك بقوله يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ لأنّ من علم ما تكسب كل نفس، وأعدّ لها جزاءها فهو المكر كله، لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون. وهم في غفلة مما يراد بهم. وقرئ : الكفار. والكافرون. والذين كفروا. والكفر :
أى أهله، والمراد بالكافر الجنس : وقرأ جناح بن حبيش، وسيعلم الكافر، من أعلمه أى سيخبر.
[سورة الرعد (١٣) : آية ٤٣]
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣)

__
(١) حتى تهجر في الرواح وهاجها طلب المعقب حقه المظلوم
للبيد بن ربيعة، يصف حمار وحش خرج في الهاجرة وراء أنانه، وهاجها : أى بعثها على السير ونشطها لسرعة سيره في طلبها، كما يطلب المعقب المظلوم حقه ودينه ممن هو عليه، فالمظلوم بالرفع صفة للمعقب، لأنه فاعل في المعنى.
ومعناه الذي رجع إلى حقه الذي كان أعطاه للدين، فكأنه رجع على عقبه، أو لأنه يعقب المدين ويتبعه.


الصفحة التالية
Icon