بنى قريظة والنضير، فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة، فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوّينا بها، ولأنفقناها في سبيل اللّه، فقال لهم اللّه عز وعلا : لقد أعطيتكم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أى لا تتمنّ أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوّى بمكانهم الإسلام وينتعش بهم المؤمنون، وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وضعفائهم، وطب نفساً عن إيمان الأغنياء والأقوياء وَقُلْ لهم إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب اللّه نازل بكم.
[سورة الحجر (١٥) : الآيات ٩٠ إلى ٩١]
كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١)
فإن قلت : بم تعلق قوله كَما أَنْزَلْنا؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما : أن يتعلق بقوله :
وَلَقَدْ آتَيْناكَ أى أنزلنا عليك مثل ما أنزلنا على أهل الكتاب وهم المقتسمون الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ حيث قالوا بعنادهم وعدوانهم بعضه حق موافق للتوراة والإنجيل، وبعضه باطل مخالف لهما، فاقتسموه إلى حق وباطل، وعضوه «١». وقيل : كانوا يستهزؤن به فيقول بعضهم : سورة البقرة لي، ويقول الآخر : سورة آل عمران لي. ويجوز أن يراد بالقرآن :
ما يقرءونه من كتبهم، وقد اقتسموه بتحريفهم، وبأنّ اليهود أقرّت ببعض التوراة وكذبت ببعض، والنصارى أقرت ببعض الإنجيل وكذبت ببعض، وهذه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم، وقولهم سحر وشعر وأساطير، بأن غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم. والثاني أن يتعلق بقوله : وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أى : وأنذر قريشاً مثل ما أنزلنا من العذاب على المقتسمين، يعنى اليهود، وهو ما جرى على قريظة والنضير، جعل المتوقع بمنزلة الواقع، وهو من الإعجاز، لأنه إخبار بما سيكون وقد كان. ويجوز أن يكون الذين جعلوا القرآن عضين منصوباً بالنذير، أى : أنذر المعضين الذين يجزءون القرآن إلى سحر وشعر وأساطير، مثل ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة أيام الموسم، فقعدوا في كل مدخل متفرّقين لينفروا الناس عن الإيمان برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، يقول بعضهم : لا تغتروا بالخارج منا فإنه ساحر.
ويقول الآخر : كذاب، والآخر : شاعر، فأهلكهم اللّه يوم بدر وقبله بآفات، كالوليد بن المغيرة،
(١). قوله «و عضوه» في الصحاح : عضيت الشاة تعضية، إذا جزأتها أعضاء. وعضيت الشيء تعضية، إذا فرقته. (ع)