الخير، كقوله :
وَلَيْسَ عَلَى اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِى وَاحِدِ «١»
وعن مجاهد : كان مؤمناً وحده والناس كلهم كفار. والثاني : أن يكون أمّة بمعنى مأموم، أى : يؤمّه الناس ليأخذوا منه الخير، أو بمعنى مؤتم به كالرحلة «٢» والنخبة، وما أشبه ذلك مما جاء من فعلة بمعنى مفعول، فيكون مثل قوله قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً وروى الشعبي عن فروة بن نوفل الأشجعى عن ابن مسعود أنه قال : إنّ معاذاً كان أمّة قانتاً للّه، فقلت : غلطت، إنما هو إبراهيم. فقال : الأمّة : الذي يعلم الخير. والقانت المطيع للّه ورسوله «٣»، وكان معاذ كذلك. وعن عمر رضى اللّه عنه أنه قال - حين قيل له : ألا تستخلف؟ - : لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته، ولو كان معاذ حيا لاستخلفته. ولو كان سالم حيا لاستخلفته فإنى سمعت رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول :«أبو عبيدة أمين هذه الأمّة، ومعاذ أمّة قانت للّه، ليس بينه وبين اللّه يوم القيامة إلا المرسلون، وسالم شديد الحب للّه، لو كان لا يخاف اللّه لم يعصه «٤». وهو ذلك المعنى، أى : كان إماما في الدين، لأنّ الأئمة معلمو الخير.
(١) قولا لهارون إمام الهدى عند احتفال المجلس الحاشد
أنت على ما بك من قدرة فلست مثل الفضل بالواحد
ليس على اللّه بمستنكر أن يجمع العالم في واحد
لأبى نواس يعطف هرون الرشيد على الفضل البرمكي حين توعده بالقتل، غيرة منه لما سمع من نهايته في الكرم، وخاطب الاثنين تأسيا بعادة العرب، والاحتفال : الاجتماع. والحاشد الجامع، وعلى بمعنى مع، أى : أنت مع كونك في غاية الاقتدار لست واجداً مثل الفضل في العالم كله، ودخلت الفاء في خبر المبتدأ لما فيه خبره من رائحة الشرط، أى : وإن كنت قادراً، ودخلت الباء في خبر ليس لتوكيد النفي، واستدل على ذلك بقوله : ليس مستنكراً على اللّه جمعه خصال العالم كلها في رجل واحد كالفضل، هذا ما يتبادر منه ظاهر النظم، لكنه خلاف مقتضى مقام الاستعطاف، فالمعنى ولا يكن منك غيرة من الفضل، فان كرمه بعض صفاتك، فان اللّه قادر على جمع صفات العالم كلها فيك، وقد فعل. ويروى : من اللّه بدل على اللّه. ويروى : بمستبدع، بدل بمستنكر.
(٢). قوله «كالرحلة» في الصحاح «الرحلة» بالضم : الوجه الذي تريده، وبالكسر : الارتحال. (ع)
(٣). أخرجه الطبراني والحاكم وأبو نعيم في الحلية. من رواية علية عن منصور عن عبد الرحمن عن الشعبي حدثني فروة بن نوفل الأشجعى قال قال ابن مسعود. فذكره. لكن ليس فيه : فقلت له «غلطت» بل فيه فقيل له : إن ابراهيم. وفيه «و كان معاذ بن جبل يعلم الناس الخير. وكان مطيعا للّه ورسوله» ورواه الحاكم أيضاً من رواية شعبة عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن عبد اللّه قال «إن معاذا كان أمة قانتا للّه» فقال رجل من أشجع يقال له : فروة ابن نوفل : إنما ذاك ابراهيم. فقال عبد اللّه : إنا كنا نشبهه بإبراهيم - الحديث» وأخرجه عبد الرزاق. ومن طريق الحاكم قال أخبرنا الثوري عن فراس نحوه.
(٤). لم أجده