إلا ضبطها وحصرها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً في الصحف عتيدا. أو جزاء ما عملوا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً فيكتب عليه ما لم يعمل. أو يزيد في عقاب المستحق، أو يعذبه بغير جرم، كما يزعم من ظلم اللّه «١» في تعذيب أطفال المشركين بذنوب آبائهم.
[سورة الكهف (١٨) : الآيات ٥٠ إلى ٥١]
وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً (٥٠) ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥١)
كانَ مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف «٢» جار مجرى التقليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كأن قائلا قال : ما له لم يسجد؟ فقيل : كان من الجن فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ والفاء للتسبيب أيضا، جعل كونه من الجن سببا في فسقه، لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر اللّه، لأنّ الملائكة معصومون البتة لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس، كما قال لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ وهذا الكلام المعترض تعمد من اللّه تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم. فما أبعد البون بين ما تعمده اللّه، وبين قول من ضادّه وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة، فعصى، فلعن ومسخ شيطانا، ثم ورّكه «٣» على ابن عباس. ومعنى فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ خرج عما أمره به ربه من السجود. قال :
فواسقا عن قصدها جوائرا «٤»
أو صار فاسقا كافرا بسبب أمر ربه الذي هو قوله اسْجُدُوا لِآدَمَ. أَفَتَتَّخِذُونَهُ الهمزة للإنكار والتعجيب، كأنه قيل : أعقيب ما وجد منه تتخذونه وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وتستبدلونهم بى، بئس البدل من اللّه إبليس لمن استبدله، فأطاعه بدل طاعته ما أَشْهَدْتُهُمْ وقرئ : ما أشهدناهم، يعنى : أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة، وإنما كانوا يكونون شركاء
(١). قوله «كما يزعم من ظلم اللّه» لعله بالتشديد، أى : نسب إليه الظلم. (ع)
(٢). قال محمود :«قوله تعالى كان من الجن مستأنف تعليل لفسوقه... الخ» قال أحمد : والحق معه في هذا الفعل غير أن قوله «تعمده اللّه تعالى» لفظة لا تروق ولا تليق، فان التعمد إنما يوصف به عرفا من يفعل في بعض الأحيان خطأ وفي بعضها تعمدا، فاجتنابها في حق اللّه تعالى واجب، واللّه الموفق.
(٣). قوله «ثم ورّكه» أى اتهمه به. (ع) [.....]
(٤). مر شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ١١٩ فراجعه إن شئت اه مصححه.