منعنا وحفظنا. ثم استأنف فبين أنّ ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمصحوب من اللّه بالنصر والتأييد، كيف يمنع غيره وينصره؟
[سورة الأنبياء (٢١) : آية ٤٤]
بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٤)
ثم قال : بل ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا، لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعا لهم بالحياة الدنيا وإمهالا، كما متعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الأمد، وامتدت بهم أيام الروح والطمأنينة، فحسبوا أن لا يزالوا على ذلك لا يغلبون ولا ينزع عنهم ثوب أمنهم واستمتاعهم، وذلك طمع فارغ وأمد كاذب أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا ننقص أرض الكفر ودار الحرب، ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردّها دار إسلام. فإن قلت : أى فائدة في قوله نَأْتِي الْأَرْضَ؟ قلت فيه تصوير ما كان اللّه يجريه على أيدى المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تغزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها، ناقصة من أطرافها.
[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٤٥ إلى ٤٦]
قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعاءَ إِذا ما يُنْذَرُونَ (٤٥) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦)
قرئ وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ ولا تسمع الصم، بالتاء والياء، أى : لا تسمع أنت الصم، ولا يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. ولا يسمع الصم، من أسمع. فإن قلت : الصم لا يسمعون دعاء المبشر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل إِذا ما يُنْذَرُونَ؟ قلت : اللام في الصم إشارة إلى هؤلاء المنذرين، كائنة للعهد لا للجنس. والأصل : ولا يسمعون إذا ما ينذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدّهم أسماعهم إذا أنذروا. أى : هم على هذه الصفة من الجرأة والجسارة على التصامّ من آيات الإنذار وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء، لأذعنوا وذلوا، وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا.
وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات، لأنّ النفح في معنى القلة والنزارة. يقال : نفحته الدابة وهو رمح يسير «١»، ونفحه بعطية : رضخه، ولبناء المرة.
(١). قوله «و هو رمح يسير» في الصحاح : رمجه الفرس والبغل والحمار : إذا ضربه برجله. (ع)