ومعناه : خلقناكم مدرجين هذا التدريج لغرضين، أحدهما : أن نبين قدرتنا. والثاني : أن نقر في الأرحام من نقرّ، حتى يولدوا وينشؤا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم. ويعضد هذه القراءة قوله ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وحده لأن الغرض الدلالة على الجنس. ويحتمل : نخرج كل واحد منكم طفلا. الأشد : كمال القوة والعقل والتمييز، وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد كالأسدّة «١» والقتود والأباطيل وغير ذلك، وكأنها شدّة في غير شيء واحد، فبنيت لذلك على لفظ الجمع. وقرئ : ومنكم من يتوفى، أى يتوفاه اللّه أَرْذَلِ الْعُمُرِ الهرم والخرف، حتى يعود كهيئته الأولى في أوان طفولته : ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم. بين أنه كما قدر على أن يرقيه في درجات الزيادة حتى يبلغه حد التمام، فهو قادر على أن يحطه حتى ينتهى به إلى الحالة السفلى لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً أى : ليصير نساء بحيث إذا كسب علما في شيء لم ينشب أن ينساه ويزل عنه علمه حتى يسأل عنه من ساعته، يقول لك : من هذا؟ فتقول :
فلان، فما يلبث لحظة إلا سألك عنه. وقرأ أبو عمرو : العمر، بسكون الميم. الهامدة : الميتة اليابسة. وهذه دلالة ثانية على البعث، ولظهورها وكونها مشاهدة معاينة، كررها اللّه في كتابه اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ تحرّكت بالنبات وانتفخت، وقرئ : ربأت، أى ارتفعت. البهيج :
الحسن السارّ للناظر إليه.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٦ إلى ٧]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)
أى : ذلك الذي ذكرنا من خلق بنى آدم وإحياء الأرض، مع ما في تضاعيف ذلك من أصناف الحكم واللطائف، حاصل بهذا وهو السبب في حصوله، ولولاه لم يتصور كونه، وهو بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ أى الثابت الموجود، وأنه قادر على إحياء الموتى وعلى كل مقدور، وأنه حكيم لا يخلف ميعاده، وقد وعد الساعة والبعث، فلا بدّ أن يفي بما وعد.
[سورة الحج (٢٢) : الآيات ٨ إلى ١٠]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠)
(١). قوله «من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد كالأسدة والقتود والأباطيل» الذي في الصحاح «السدّ» بالفتح : واحد الأسدة وهي العيوب اه وهي مثل العمى والصمم والبكم على غير قياس، وكان قياسه : سدود.
والقتد : خشب الرحل، وجمعه : قتود وأقتاد. والباطل : ضد الحق، والجمع أباطيل على غير قياس كأنهم جمعوا إبطيلا. وفيه أيضا قوله تعالى حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ أى قوته وهو واحد جاء على بناء الجمع، مثل «آنك» وهو الأسربّ، ولا نظير لهما، ويقال له : جمع لا واحد له من لفظه، مثل : أبابيل، وعباديد، ومذاكير. (ع)