الفاعلين فعل أولى الجهل والسفه. كما قال يوسف لإخوته هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ أو المخطئين كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل. أو الذاهبين عن الصواب.
أو الناسين، من قوله أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وكذب فرعون ودفع الوصف بالكفر عن نفسه، وبرّأ ساحته، بأن وضع الضالين موضع الكافرين ربأ بمحل من رشح للنبوّة عن تلك الصفة، ثم كرّ على امتنانه عليه بالتربية، فأبطله من أصله واستأصله من سنخه «١»، وأبى أن يسمى نعمته إلا نقمة. حيث بين أن حقيقة إنعامه عليه تعبيد بنى إسرائيل لأنّ تعبيدهم وقصدهم بذبح أبنائهم هو السبب في حصوله عنده وتربيته، فكأنه امتن عليه بتعبيد قومه إذا حققت، وتعبيدهم : تذليلهم واتخاذهم عبيدا. يقال : عبدت الرجل وأعبدته، إذا اتخذته عبدا. قال :
علا م يعبدني قومي وقد كثرت فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان «٢»
فإن قلت : إذا جواب وجزاء معا، والكلام وقع جوابا لفرعون، فكيف وقع جزاء قلت :
قول فرعون : وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ فيه معنى : إنك جازيت نعمتي بما فعلت، فقال له موسى : نعم فعلتها مجازيا لك، تسليما لقوله، لأنّ نعمته كانت عنده جديرة بأن تجازى بنحو ذلك الجزاء.
فإن قلت : لم جمع الضمير في منكم وخفتكم؟ مع إفراده في تمنها وعبدت؟ قلت : الخوف والفرار لم يكونا منه وحده، ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله، بدليل قوله إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ وأما الامتنان فمنه وحده، وكذلك التعبيد. فإن قلت : تِلْكَ إشارة إلى ما ذا، وأَنْ عَبَّدْتَ ما محلها من الإعراب؟ قلت : تلك إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة، لا يدرى ما هي إلا بتفسيرها. ومحل أَنْ عَبَّدْتَ الرفع عطف بيان لتلك، ونظيره قوله تعالى وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ والمعنى : تعبيدك بنى إسرائيل نعمة تمنها على. وقال

__
(١). قوله «و استأصله من سنخته» في الصحاح «السنخ» الأهل، وسنخ في العلم سنوخا رسخ : وسنخ الدهر - بالكسر - : لغة في زنخ، إذا فسد وتغيرت ريحه. يقال : بيت له سنخة وسناخة اه. (ع)
(٢). علام : استفهام إنكارى عن العلة، أى : على أى شيء. وأعبدت الرجل وعبدته : إذا اتخذته عبدا. والأباعر :
جمع بعير، يطلق على الذكر والأنثى من الإبل. والعبد : يجمع على عبدان بالكسر والضم وعبدى، بتشديد الدال مقصورا وممدودا. ومعبودا، وعباد، وأعبد، وعبيد، وعبد بضمتين وبفتحتين، يقول : لأى شيء يتخذونى عبدا، والحال أنه كثرت فيهم الإبل والعبيد بسببي، فليتخذوا منها ما شاءوا : بدل من الأباعر أو واقع موقع المصدر لكثرت، دلالة على التكثير. وفي هذه الحال : تهكم بهم ودلالة على حمقهم. ويجوز أن المعنى : والحال أن بعضهم كالأباعر، وبعضهم عبيد، فليكتفوا ببعضهم عنى. وقيل : يجوز أن التقييد بهذه الحالة، لأنها التي حملتهم على التكبر عليه.


الصفحة التالية
Icon