فما عقّبوا إذ قيل هل من معقّب ولا نزلوا يوم الكريهة منزلا «١»
وإنما رعب لظنه أن ذلك لأمر أريد به، ويدل عليه إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ وإِلَّا بمعنى «لكن» لأنه لما أطلق نفى الخوف عن الرسل، كان ذلك مظنة لطروّ الشبهة، فاستدرك ذلك. والمعنى : ولكن من ظلم منهم أى فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف، ومن موسى بوكزة القبطي، ويوشك أن يقصد بهذا التعريض بما وجد من موسى، وهو من التعريضات التي يلطف مأخذها. وسماه ظلما، كما قال موسى رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي والحسن، والسوء : حسن التوبة، وقبح الذنب. وقرئ : ألا من ظلم، بحرف التنبيه. وعن أبى عمرو في رواية عصمة : حسنا.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٢]
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢)
وفِي تِسْعِ آياتٍ كلام مستأنف، وحرف الجرّ فيه يتعلق بمحذوف. والمعنى : اذهب في تسع آيات إِلى فِرْعَوْنَ ونحوه :
فقلت إلى الطّعام فقال منهم فريق نحسد الإنس الطّعاما «٢»
ويجوز أن يكون المعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك : في تسع آيات، أى : في جملة تسع آيات وعدادهنّ. ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة : ثنتان منها اليد والعصا، والتسع :
الفلق، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة، والجدب في بواديهم، والنقصان في مزارعهم.
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٣]
فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣)
المبصرة : الظاهرة البينة. جعل الإبصار لها وهو في الحقيقة لمتأمّليها، لأنهم لابسوها وكانوا بسبب منها بنظرهم وتفكرهم فيها. ويجوز أن يراد بحقيقة الإبصار : كل ناظر فيها من كافة أولى العقل، وأن يراد إبصار فرعون وملئه، لقوله وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أو جعلت كأنها تبصر فتهدى، لأنّ العمى لا تقدر على الاهتداء، فضلا أن تهدى غيرها. ومنه قولهم : كلمة عيناء،

__
(١). يصف قوما بالجبن، وإنهم إن قيل : هل من معقب وراجع على عقبه للحرب فما رجعوا إليها، ولا نزلوا يوم الحرب منزلا من منازلها، أى : لم يقدموا مرة على العدو. وروى : إذ قيل، أى : حين ذلك. [.....]
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٢ فراجعه إن شئت اه مصححه.


الصفحة التالية
Icon