وصاح طيطوى، فقال يقول : كل حىّ ميت، وكل جديد بال. وصاح خطاف فقال يقول :
قدّموا خيرا تجدوه. وصاحت رخمة، فقال تقول : سبحان ربى الأعلى ملء سمائه وأرضه.
وصاح قمرى، فأخبر أنه يقول : سبحان ربى الأعلى. وقال : الحدأ يقول : كل شيء هالك إلا اللّه. والقطاة تقول : من سكت سلم. والببغاء تقول : ويل لمن الدنيا همه : والديك يقول :
اذكروا اللّه يا غافلين. والنسر يقول : يا ابن آدم عش ما شئت آخرك الموت. والعقاب يقول :
في البعد من الناس أنس. والضفدع يقول : سبحان ربى القدوس. وأراد بقوله مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كثرة ما أوتى، كما تقول : فلان يقصده كل أحد، ويعلم كل شيء، تريد : كثرة قصاده ورجوعه إلى غزارة في العلم واستكثار منه. ومثله قوله وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ. إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ قول وارد على سبيل الشكر والمحمدة، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم ولا فخر «١»» أى : أقول هذا القول شكرا ولا أقوله فخرا. فإن قلت : كيف قال علمنا وأوتينا وهو من كلام المتكبرين؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما : أن يريد نفسه وأباه. والثاني :
أن هذه النون يقال لها نون الواحد المطاع - وكان ملكا مطاعا - فكلم أهل طاعته على صفته وحاله التي كان عليها، وليس التكبر من لوازم ذلك، وقد يتعلق بتجمل الملك وتفخمه وإظهار آيينه «٢» وسياسته مصالح، فيعود تكلف ذلك واجبا. وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفعل نحوا من ذلك إذا وفد عليه وفد أو احتاج أن يرجح في عين عدوّ. ألا ترى كيف أمر العباس رضى اللّه عنه بأن يحبس أبا سفيان حتى تمرّ عليه الكتائب «٣».
[سورة النمل (٢٧) : آية ١٧]
وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧)
روى أن معسكره كان مائة فرسخ في مائة : خمسة وعشرون للجنّ، وخمسة وعشرون للإنس، وخمسة وعشرون للطير، وخمسة وعشرون للوحش، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب، فيها ثلاثمائة منكوحة. وسبعمائة سرية، وقد نسجت له الجنّ بساطا من ذهب وإبريسم فرسخا في فرسخ، وكان يوضع منبره في وسطه وهو من ذهب، فيقعد عليه وحوله ستمائة ألف كرسي من ذهب وفضة، فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة، وحولهم الناس وحول الناس الجنّ والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا يقع عليه الشمس،
(١). تقدم في سورة يوسف
(٢). قوله «و إظهار آيينه» قيل : مراتبه وبهاؤه. وفي نسخة : أبهته، فليحرر. (ع)
(٣). أخرجه البخاري من رواية هشام بن عروة عن أبيه في قصة الفتح قال فأسلم أبو سفيان. فلما سار قال للعباس احبس أبا سفيان عند حطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين، فحبسه العباس، فجعلت الكتائب تمر مع النبي صلى اللّه عليه وسلم كتيبة بعد كتيبة» وأخرجه البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما.