صاغ له خباب حليا فاقتضاه الأجر، فقال : إنكم تزعمون أنكم تبعثون، وأن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا، فأنا أقضيك ثم، فإنى أوتى مالا وولدا حينئذ كَلَّا ردع وتنبيه على الخطأ أى : هو مخطئ فيما يصوره لنفسه ويتمناه فليرتدع عنه. فإن قلت : كيف قيل سَنَكْتُبُ بسين التسويف، وهو كما قاله كتب من غير تأخير، قال اللّه تعالى ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ؟ قلت : فيه وجهان، أحدهما : سنظهر له ونعلمه أنا كتبنا قوله، على طريقة قوله :
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة «١»
أى تبين وعلم بالانتساب أنى لست بابن لئيمة. والثاني : أن المتوعد يقول للجاني : سوف أنتقم منك، يعنى أنه لا يخل بالانتصار وإن تطاول به الزمان واستأخر، فجرد هاهنا لمعنى الوعيد وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا أى نطوّل له من العذاب ما يستأهله ونعذبه بالنوع الذي يعذب به الكفار المستهزءون. أو نزيده من العذاب ونضاعف له من المدد. يقال : مده وأمده بمعنى، وتدل عليه قراءة علىّ بن أبى طالب : ونمد له بالضم. وأكد ذلك بالمصدر، وذلك من فرط غضب اللّه، نعوذ به من التعرّض لما نستوجب به غضبه وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ أى نزوى عنه ما زعم أنه يناله في الآخرة ونعطيه من يستحقه. والمعنى مسمى ما يقول. ومعنى ما يَقُولُ وهو المال والولد. يقول الرجل : أنا أملك كذا، فتقول له : ولى فوق ما تقول، ويحتمل أنه قد تمنى وطمع أن يؤتيه اللّه في الدنيا مالا وولدا، وبلغت به أشعبيته «٢» أن تألى على ذلك في قوله لَأُوتَيَنَّ لأنه جواب قسم مضمر، ومن يتأل على اللّه يكذبه، فيقول اللّه عز وجل هب أنا أعطيناه ما اشتهاه، إما نرثه منه في العاقبة ويأتينا فردا غدا بلا مال ولا ولد، كقوله عز وجل وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى... الآية فما يجدى عليه تمنيه وتأليه. ويحتمل أن هذا القول

__
(١) رمتني عن قوس العدو وباعدت عبيدة زاد اللّه ما بيننا بعدا
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ولم تجدى من أن تقرى بها بدا
لزائد بن صعصعة النقعسى، كانت له امرأة اسمها عبيدة فطمحت عليه وكانت أمها سرية، فعرض لها بذلك، يقول :
رمتني بأمر قبيح كأنه نبلة صادرة عن قوس العدو، أو أبعدتنى عنها بعد النبلة عن القوس : أى تسببت في ذلك وبالغت في بعد الرمي، و«زاد اللّه» جملة دعائية، ثم قال : إذا أظهرنا نسبنا يتبين أنى لم تلدني لئيمة بخلافك، ولم تجدى مفرا ولا غنى من إقرارك بتلك القضية. ويجوز أن المعنى : أنه لا بد من إقرارك بأمك اللئيمة، وعلم مرجع الضمير من ذكر المقابلة وهو أمه، وهذا أدق في التبكيت. ويروى : به، أى : بذلك النسب. وفي الالتفات من الغيبة إلى الخطاب نوع من التشنيع والتوبيخ، كأنه عجب الناس أولا من حالها، ثم التفت يبكتها بلؤم أمها وأنها رقيقة.
(٢). قوله «أشعبيته» في الصحاح «أشعب» اسم رجل كان طماعا. وفي المثل : أطمع من أشعب اه. ومنه :
أخذت الأشعبية، بمعنى : خصلة أشعب، وهي الطمع. (ع)


الصفحة التالية
Icon