[سورة الروم (٣٠) : الآيات ٦ إلى ٧]

وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٦) يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ (٧)
وَعْدَ اللَّهِ مصدر مؤكد، كقولك : لك علىّ ألف درهم عرفا، لأنّ معناه : أعترف لك بها اعترافا، ووعد اللّه ذلك وعدا، لأنّ ما سبقه في معنى وعد. ذمّهم اللّه عزّ وجل بأنهم عقلاء في أمور الدنيا، بله في أمر الدين، وذلك أنهم كانوا أصحاب تجارات ومكاسب. وعن الحسن.
بلغ من حذق أحدهم أنه يأخذ الدرهم فينقره بإصبعه، فيعلم أرديء هو أم جيد. وقوله يَعْلَمُونَ بدل من قوله لا يَعْلَمُونَ وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه ويسدّ مسدّه، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا. وقوله ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا يفيد أن للدنيا ظاهرا وباطنا، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم «١» بملاذها. وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة : يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة. وفي تنكير الظاهر : أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة الظواهر. و«هم» الثانية يجوز أن يكون مبتدأ. وغافِلُونَ خبره، والجملة خبر «هم» الأولى، وأن يكون تكريرا للأولى، وغافلون خبر الأولى. وأية كانت فذكرها مناد على أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرّها ومعلمها، وأنها منهم تنبع وإليهم ترجع.
[سورة الروم (٣٠) : آية ٨]
أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ (٨)
فِي أَنْفُسِهِمْ يحتمل أن يكون ظرفا، كأنه قيل : أو لم يحدثوا التفكر في أنفسهم، أى :
في قلوبهم الفارغة من الفكر، والتفكر لا يكون إلا في القلوب، ولكنه زيادة تصوير لحال المتفكرين، كقولك : اعتقده في قلبك وأضمره في نفسك، وأن يكون صلة للتفكر، كقولك :
تفكر في الأمر وأجال فيه فكره. وما خَلَقَ متعلق بالقول المحذوف، معناه : أو لم يتفكروا فيقولوا هذا القول. وقيل : معناه : فيعلموا، لأنّ في الكلام دليلا عليه إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى
__
(١). قال محمود :«يعلمون بدل من الأول، وفي البدل نكتة وهي الاشعار بأنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل وبين العلم بظاهر الدنيا، حتى كأنهما شيء واحد، فأبدل أحدهما من الآخر. وفائدة تنكير الظاهر أنهم لا يعلمون إلا ظاهرا واحدا من جملة ظواهرها» قال أحمد : وفي التنكير تقليل لمعلومهم وتقليله يقربه من النفي حتى يطابق المبدل منه. وروى عن الحسن أنه قال في تلاوته هذه الآية : بلغ من صدق أحدهم في ظاهر الحياة الدنيا أنه ينقر الدينار بإصبعه فيعلم أجيد هو أم ردى.


الصفحة التالية
Icon