عائشة في عمر رضى اللّه عنهما «كان إذا مشى أسرع» «١» فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت. وقرئ : وأقصد، بقطع الهمزة، أى : سدّد في مشيك من أقصد الرامي إذا سدّد سهمه نحو الرمية وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ وانقص منه واقصر، من قولك : فلان يغض من فلان إذا قصر به ووضع منه أَنْكَرَ الْأَصْواتِ أوحشها، من قولك : شيء نكر، إذا أنكرته النفوس واستوحشت منه ونفرت. والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة، وكذلك نهاقه. ومن استفحاشهم لذكره مجردا وتفاديهم من اسمه : أنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح به، فيقولون : الطويل الأذنين، كما يكنى عن الأشياء المستقذرة : وقد عدّ في مساوي الآداب : أن يجرى ذكر الحمار في مجلس قوم من أولى المروءة. ومن العرب من لا يركب الحمار استنكافا وإن بلغت منه الرجلة «٢»، فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، تم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه وإخراجه مخرج الاستعارة - وإن جعلوا حميرا وصوتهم نهاقا - ومبالغة شديدة في الذم والتهجين وإفراط في التثبيط عن رفع الصوت والترغيب عنه. وتنبيه على أنه من كراهة اللّه بمكان. فإن قلت : لم وحد صوت الحمير ولم يجمع؟ قلت : ليس المراد أن يذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس حتى يجمع، وإنما المراد أن كل جنس من الحيوان الناطق له صوت، وأنكر أصوات هذه الأجناس صوت هذا الجنس، فوجب توحيده.
[سورة لقمان (٣١) : آية ٢٠]
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠)
ما فِي السَّماواتِ الشمس والقمر والنجوم والسحاب وغير ذلك وَما فِي الْأَرْضِ البحار والأنهار والمعادن والدواب وما لا يحصى وَأَسْبَغَ وقرىّ بالسين والصاد، وهكذا كل سين اجتمع معه الغين والخاء والقاف، تقول في سلخ، صلخ، وفي سقر : صقر، وفي سالغ : صالغ «٣»

__
(١). ذكره ابن الأثير في النهاية، قلت : لعله أخذه عن الفائق، وفي الطبقات لابن سعد من رواية سليمان ابن أبى حثمة قال قالت الشفاء بنت عبد اللّه، وهي أم سليمان : كان عمر إذا مشى... فذكره.
(٢). قوله «منه الرجلة» أى : المشي برجله، يعنى : وإن أتعبه المشي وعدم الركوب. وفي الصحاح «الرجل» بالتحريك : مصدر قولك : رجل - بالكسر - أى : بقي راجلا. (ع)
(٣). قوله «و في سالغ صالغ» في الصحاح : سلغت البقرة والشاة، إذا أسقطت السن التي خلفت السديس والسلوغ في ذوات الأظلاف : بمنزلة البزول في ذوات الأخفاف. (ع)


الصفحة التالية
Icon