عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى ما محلها - إذا جررت الرحمن أو رفعته على المدح؟ قلت : إذا جررت فهي خبر مبتدأ محذوف لا غير وإن رفعت جاز أن تكون كذلك وأن تكون مع الرحمن خبرين للمبتدإ. لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يردف الملك، جعلوه كناية عن الملك فقالوا : استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضا لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤدّاه وإن كان أشرح وأبسط وأدل على صورة الأمر.
ونحوه قولك : يد فلان مبسوطة، ويد فلان مغلولة، بمعنى أنه جواد أو بخيل، لا فرق بين العبارتين إلا فيما قلت، حتى أنّ من لم يبسط يده قط بالنوال أو لم تكن له يد رأسا قيل فيه يده مبسوطة لمساواته عندهم قولهم : هو جواد. ومنه قول اللّه عز وجل وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ أى هو بخيل، بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ أى هو جواد، من غير تصوّر يد ولا غل ولا بسط، والتفسير بالنعمة والتمحل للتثنية من ضيق العطن والمسافرة عن علم البيان مسيرة أعوام وَما تَحْتَ الثَّرى ما تحت سبع الأرضين : عن محمد بن كعب وعن السدى : هو الصخرة التي تحت الأرض السابعة.
[سورة طه (٢٠) : الآيات ٧ إلى ٨]
وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨)
أى يعلم ما أسررته إلى غيرك وأخفى من ذلك، وهو ما أخطرته ببالك، أو ما أسررته في نفسك وَأَخْفى منه وهو ما ستسره فيها. وعن بعضهم : أن أخفى فعل «١» يعنى أنه يعلم أسرار العباد وأخفى عنهم ما يعلمه، هو كقوله تعالى يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً وليس بذاك. فإن قلت كيف طابق الجزاء الشرط؟ قلت : معناه وإن تجهر بذكر اللّه من دعاء أو غيره فاعلم أنه غنى عن جهرك، فإما أن يكون نهيا عن الجهر كقوله تعالى وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ وإما تعليما للعباد أنّ الجهر ليس لإسماع اللّه وإنما هو لغرض آخر الْحُسْنى تأنيث الأحسن، وصفت بها الأسماء لأنّ حكمها حكم المؤنث
(١). قال محمود :«هو أفعل التفضيل، ومنهم من قال إن أخفى فعل ماض... الخ» قال أحمد : لا يخفى أن جعله فعلا قاصر لفظا ومعنى : أما لفظا فانه يلزم منه عطف الجملة الفعلية على الاسمية إن كان المعطوف عليه الجملة الكبرى، أو عطف الماضي على المضارع إن كان المعطوف عليه الصغرى، وكلاهما دون الأحسن. وأما معنى، فان المقصود الحض على ترك الجهر بإسقاط فائدته من حيث أن اللّه تعالى يعلم السر وما هو أخفى منه، فكيف يبقى للجهر فائدة وكلاهما على هذا التأويل مناسب لترك الجهر. وأما إذا جعل فعلا فيخرج عن مقصود السياق وإن اشتمل على فائدة أخرى، وليس هذا كقوله تعالى يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً لأن بين السياقين اختلافا، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.