فَيَمُوتُوا جواب النفي، ونصبه بإضمار أن : وقرئ : فيموتون، عطفا على يقضى، وإدخالا له في حكم النفي، أى : لا يقضى عليهم الموت فلا يموتون، كقوله تعالى وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء «يجزى» وقرئ : يجازى. ونجزى كُلَّ كَفُورٍ بالنون «١» يَصْطَرِخُونَ يتصارخون : يفتعلون من الصراخ وهو الصياح بجهد وشدّة. قال
كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها «٢»
واستعمل في الاستغاثة لجهد المستغيث صوته. فإن قلت : هلا اكتفى بصالحا كما اكتفى به في قوله تعالى فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً وما فائدة زيادة غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ على أنه يؤذن أنهم يعملون صالحا آخر غير الصالح الذي عملوه؟ قلت : فائدته زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به. وأما الوهم فزائل لظهور حالهم في الكفر وركوب المعاصي، ولأنهم «٣» كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة، كما قال اللّه تعالى وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً فقالوا. أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نحسبه صالحا فنعمله أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ توبيخ من اللّه يعنى : فنقول لهم. وقرئ : ما يذكر فيه، من أذكر على الإدغام وهو متناول لكل عمر تمكن فيه المكلف من إصلاح شأنه وإن قصر، إلا أن التوبيخ في المتطاول أعظم.
وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«العمر الذي أعذر اللّه فيه إلى ابن آدم ستون سنة «٤». وعن
(١). قوله «و تجزى كل كفور بالنون» ونصب كل في هذه القراءة ورفعه فيما قبلها. (ع)
(٢) قصدت إلى عنس لأحدج رحلها وقد حان من تلك الديار رحيلها
فأنت كما أن الأسير وصرخت كصرخة حبلى أسلمتها قبيلها
للأعشى. وعنست المرأة عنسا : إذا لم تخرج من بيتها للزواج مع بلوغها من السن. والعنس : الناقة الصلبة الصعبة وحدج من باب ضرب : إذا شد الرحل على الناقة. والحدوج : الرحال والهوادج، وهو بتأخير الجيم. واما الجدح - بتأخير المهملة - : فهو اللت والخوض والمزج، أى : عمدت إلى ناقة صلبة لأشد رحلها عليها، والحال أنه جاء حين رحليها من تلك الديار. والأنين : الصوت المنخفض للتحزن، أى : أنت كأنين الأسير في الأول، وصرخت برفع صوتها ثانيا كصرخة حبلى عند الطلق أسلمتها وتركتها قبيلها التي تخدمها عند الولادة. والقبيل والقبول والقابلة :
التي تقوم بمصلحة المرأة عند الولادة وتتلقى الولد عند خروجه.
(٣). قوله «و لأنهم كانوا يحسبون» لعله : أو لأنهم كانوا. (ع)
(٤). أخرجه البزار من رواية سعيد المقبري عن أبى هريرة مرفوعا بهذا. وأصله في البخاري، بلفظ «من عمره اللّه ستين سنة فقد أعذر اللّه إليه في العمر» ووهم الحاكم فاستدركه. ورواه ابن مردويه به من حديث سهل بن سعد