جعل يقرؤها ويقول : قد وعدني اللّه أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يردّدها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزوع وحسنت توبته، فلما بلغ عمر أمره قال : هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم قد زلّ زلة فسدّدوه ووقفوه، وادعوا له اللّه أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشياطين عليه «١».
[سورة غافر (٤٠) : آية ٤]
ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤)
سجل على المجادلين في آيات اللّه بالكفر : والمراد : الجدال بالباطل، من الطعن فيها، والقصد إلى إدحاض الحق وإطفاء نور اللّه، وقد دلّ على ذلك وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها وحل مشكلها، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ورد أهل الزيغ بها وعنها، فأعظم جهاد في سبيل اللّه، وقوله صلى اللّه عليه وسلم :«إنّ جدالا في القرآن كفر» «٢» وإيراده منكرا، وإن لم يقل : إنّ الجدال، تمييز منه بين جدال وجدال. فإن قلت : من أين تسبب لقوله فَلا يَغْرُرْكَ ما قبله؟ قلت : من حيث إنهم لما كانوا مشهودا عليهم من قبل اللّه بالكفر، والكافر لا أحد أشقى منه عند اللّه : وجب على من تحقق ذلك أن لا نرجح أحوالهم في عينه، ولا يغره إقبالهم في دنياهم وتقلبهم في البلاد بالتجارات النافقة والمكاسب المربحة، وكانت قريش كذلك يتقلبون في بلاد الشام واليمن، ولهم الأموال يتجرون فيها ويتربحون، فانّ مصير ذلك وعاقبته إلى الزوال، ووراءه شقاوة الأبد. ثم ضرب لتكذيبهم وعداوتهم للرسل وجدالهم بالباطل وما ادّخر لهم من سوء العاقبة مثلا : ما كان من نحو ذلك من الأمم، وما أخذهم به من عقابه وأحله بساحتهم من انتقامه. وقرئ : فلا يغرّك.
[سورة غافر (٤٠) : آية ٥]
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥)
الْأَحْزابُ الذين تحزبوا على الرسل وناصبوهم وهم عاد وثمود وفرعون وغيرهم وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ

__
(١). أخرجه أبو نعيم في ترجمة يزيد الأصم من روآية كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن يزيد الأصم «أن رجلا كان ذا بأس - فذكره بتمامه» ورواه عبد بن حميد في تفسيره عن كثير بن هشام باختصار. وكذا ابن أبى حاتم والثعلبي.
(٢). أخرجه الطيالسي. ومن طريقه البيهقي في الشعب في التاسع عشر من حديث عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما بلفظ «لا تجادلوا في القرآن فان جدالا فيه كفر» وفي الباب عن أبى هريرة بلفظ «مراه في القرآن كفر» في الصحيح والسنن


الصفحة التالية
Icon