عن بعض. فأمّا من لا جرم له كالأنبياء والأطفال والمجانين، فهؤلاء إذا أصابهم شيء من ألم أو غيره فللعوض الموفى والمصلحة. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«ما من اختلاج عرق ولا خدش عود ولا نكبة حجر إلا بذنب، ولما يعفو اللّه عنه أكثر» «١» وعن بعضهم : من لم يعلم أن ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه، وأنّ ما عفا عنه مولاه أكثر : كان قليل النظر في إحسان ربه إليه. وعن آخر : العبد ملازم للجنايات في كل أوان، وجناياته في طاعاته أكثر من جناياته في معاصيه، لأنّ جناية المعصية من وجه وجناية الطاعة من وجوه، واللّه يطهر عبده من جناياته بأنواع من المصائب ليخفف عنه أثقاله في القيامة، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أوّل خطوة : وعن على رضى اللّه عنه وقد رفعه : من «عفى عنه في الدنيا عفى عنه في الآخرة «٢» ومن عوقب في الدنيا لم تثن عليه العقوبة في الآخرة» وعنه رضى اللّه عنه : هذه أرجى آية للمؤمنين في القرآن بِمُعْجِزِينَ بفائتين ما قضى عليكم من المصائب مِنْ وَلِيٍّ من متول بالرحمة.
[سورة الشورى (٤٢) : الآيات ٣٢ إلى ٣٤]
وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤)
الْجَوارِ : السفن. وقرئ : الجوار كَالْأَعْلامِ كالجبال. قالت الخنساء :
كأنّه علم في رأسه نار «٣»

__
(١). أخرجه عبد الرزاق وابن أبى حاتم من طريق إسماعيل بن سليم عن الحسن والطبري والبيهقي في أواخر الشعب. عن قتادة كلاهما مرسل. ووصله عبد الرزاق من رواية الصلت بن بهرام عن أبى وائل عن البراء رضى اللّه عنه
(٢). أخرجه ابن ماجة من رواية أبى جحيفة عن على رفعه. بلفظ : من أصاب ذنبا في الدنيا فعوقب به، فاللّه أعدل من أن يثنى على عبد عقوبته. ومن أذنب ذنبا فستر اللّه عليه وعفا عنه فاللّه أكرم من أن يعود في شيء عفا عنه» ورواه أحمد والبزار والحاكم والدارقطني والبيهقي في الشعب في السابع والأربعين. وقال إسحاق في مسنده :
أخبرنا عيسى بن يونس عن إسماعيل بن عبد الملك بن أبى الصفراء عن يونس بن حبان عن على نحوه وفيه انقطاع
(٣) وإن صخرا لمولانا وسيدنا وإن صخرا إذا يشتو لنحار
أغر أبلج تأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
للخنساء ترثى أخاها. ويشتو : أى يدخل في الشتاء، وهو حكاية حال ماضية. ونحار : كثير نحر الإبل للضيفان كناية عن كثرة كرمه. والأغر : الأبيض. والأبلج : الطلق الوجه المعروف. والهداة : جمع هاد : من يتقدم غيره ليدله. والعلم : الجبل : وفي رأسه نار : صفة علم جاءت لترشيح التشبيه وتقريره، والمبالغة في توضيح المشبه وتشهيره، وعادة دليل الركب : الاهتداء إلى الطريق بالجبال الشامخة، فإذا كان فوقها نار : علم أن أهلها كرام.
ويروى :
وإن صخرا لتأتم الهداة به


الصفحة التالية
Icon