وقرئ : الرياح فيظللن بفتح اللام وكسرها، من ظل يظل ويظل، نحو : ضل يضل ويضل رَواكِدَ ثوابت لا تجرى عَلى ظَهْرِهِ على ظهر البحر «١» لِكُلِّ صَبَّارٍ على بلاء اللّه شَكُورٍ لنعمائه، وهما صفتا المؤمن المخلص، فجعلهما كناية عنه، وهو الذي وكل همته بالنظر في آيات اللّه، فهو يستملى منها العبر يُوبِقْهُنَّ يهلكهن. والمعنى : أنه إن يشأ يبتلى المسافرين في البحر بإحدى بليتين : إما أن يسكن الريح فيركد الجواري على متن البحر ويمنعهن من الجري، وإما أن يرسل الريح عاصفة فيهلكهن إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ منها، فإن قلت : علام عطف يوبقهن؟ قلت : على يسكن، لأنّ المعنى : إن يشأ يسكن الريح فيركدن. أو يعصفها فيغرقن بعصفها. فإن قلت : فما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جزم جزمه؟ قلت : معناه : أو إن يشأ يهلك ناسا وينج ناسا على طريق العفو عنهم. فإن قلت : فمن قرأ وَيَعْفُ؟ قلت : قد استأنف الكلام.
[سورة الشورى (٤٢) : آية ٣٥]
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)
فإن قلت : فما وجوه القراءات الثلاث في وَيَعْلَمَ؟ قلت : أما الجزم فعلى ظاهر العطف وأما الرفع فعلى الاستئناف. وأما النصب فللعطف على تعليل محذوف تقديره : لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن، منه قوله تعالى وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وقوله تعالى وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وأما قول الزجاج : النصب على إضمار أن، لأنّ قبلها جزاء، تقول : ما تصنع أصنع مثله وأكرمك.
وإن شئت وأكرمك، على : وأنا أكرمك. وإن شئت وأكرمك جزما، ففيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه. قال : واعلم أنّ النصب بالفاء والواو في قوله : إن تأتنى آتك وأعطيك :
ضعيف، وهو نحو من قوله :
وألحق بالحجاز فاستريحا «٢»
فهذا يجوز، وليس بحدّ الكلام ولا وجهه، إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا، لأنه ليس بواجب

__
(١). قال محمود :«معناه ثوابت لا تجرى على ظهر البحر» قال أحمد : وهم يقولون : إن الريح لم ترد في القرآن إلا عذابا، بخلاف الرياح. وهذه الآية تخرم الإطلاق، فان الريح المذكورة هنا نعمة ورحمة. إذ بواسطتها يسير اللّه السفن في البحر حتى لو سكنت لركدت السفن، ولا ينكر أن الغالب من ورودها مفردة ما ذكروه. وأما اطراده فلا. وما ورد في الحديث : اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا، فلأجل الغالب في الإطلاق، واللّه أعلم.
(٢). تقدم شرح هذا الشاهد بالجزء الأول صفحة ٥٥٧ فراجعه إن شئت اه مصححه.


الصفحة التالية
Icon