صبّت عليه صروف الدّهر من صبب «١»
وكقوله تعالى أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً فذكر العذاب معلقا به الصب، مستعارا له، ليكون أهول وأهيب يقال ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ على سبيل الهزؤ والتهكم بمن كان يتعزز ويتكرم على قومه.
وروى أنّ أبا جهل قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما بين جبليها أعز ولا أكرم منى، فو اللّه ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بى شيئا. وقرئ : إنك، بمعنى : لأنك. وعن الحسن ابن على رضى اللّه عنهما أنه قرأ به على المنبر إِنَّ هذا العذاب. أو إن هذا الأمر هو ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ أى تشكون. أو تتمارون وتتلاجون.
[سورة الدخان (٤٤) : الآيات ٥١ إلى ٥٧]
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥)
لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧)
قرئ : في مقام، بالفتح : وهو موضع القيام، والمراد المكان، وهو من الخاص الذي وقع مستعملا في معنى العموم. وبالضم : وهو موضع الإقامة. وأَمِينٍ من قولك : أمن الرجل أمانة فهو أمين. وهو ضد الخائن، فوصف به المكان استعارة، لأنّ المكان المخيف كأنما يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. قيل : السندس : ما رق من الديباج. والإستبرق :
ما غلظ منه وهو تعريب استبر. فإن قلت : كيف ساغ أن يقع في القرآن العربي المبين لفظ أعجمى؟ قلت : إذا عرب خرج من أن يكون عجميا، لأن معنى التعريب أن يجعل عربيا بالتصرف فيه، وتغييره عن منهاجه، وإجرائه على أوجه الإعراب كَذلِكَ الكاف مرفوعة على :
الأمر كذلك. أو منصوب على : مثل ذلك أثبناهم وَزَوَّجْناهُمْ وقرأ عكرمة : بحور عين، على الإضافة : والمعنى : بالحور من العين، لأن العين إما أن تكون حورا أو غير حور، فهؤلاء

__
(١) كم امرئ كان في خفض وفي دعة صبت عليه صروف الدهر من صبب
الصبب : مكان الصباب الماء وانحداره. يقول : كثير من الناس كان في لين عيش وفي راحة، توالت عليه حوادث الدهر كأنها سيل منحدر من صبب، فاستعار الصب لنزول الحوادث بالشخص على طريق التصريح، والصب ترشيح أو شبه الحوادث بالسيل على سبيل المكنية. والصبب : تخييل. والصب : ترشيح. والصروف : جمع صرف، كحروف جمع حرف : مكاره الزمن ومصائبه.


الصفحة التالية
Icon