الأبواب وصرعتهم، وأما اللّه عليهم الأحقاف فكانوا تحتها سبع ليال وثمانية أيام لهم أنين، ثم كشفت الريح عنهم، فاحتملتهم فطرحتهم في البحر. وروى أنّ هودا لما أحس بالريح خط على نفسه وعلى المؤمنين خطا إلى جنب عين تنبع. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : اعتزل هود ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح إلا مايلين على الجلود وتلذه الأنفس، وإنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان إذا رأى الريح فزع وقال : اللهم إنى أسألك خيرها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما أرسلت «١» به، وإذا رأى مخيلة : قام وقعد، وجاء وذهب، وتغير لونه، فيقال له : يا رسول اللّه ما تخاف؟ فيقول : إنى أخاف أن يكون مثل قوم عاد حيث قالوا :«هذا عارض ممطرنا». فإن قلت : ما فائدة إضافة الرب إلى الريح؟ قلت : الدلالة على أن الريح وتصريف أعنتها مما يشهد لعظم قدرته، لأنها من أعاجيب خلقه وأكابر جنوده. وذكر الأمر وكونها مأمورة من جهته عز وجل : يعضد ذلك ويقوّيه،
[سورة الأحقاف (٤٦) : آية ٢٦]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦)
إِنْ نافية، أى : فيما ما مكنا كم فيه، إلا أنّ إِنْ أحسن في اللفظ، لما فيه مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع. ومثله مجتنب، ألا ترى أن الأصل في «مهما» :
«ماماز» لبشاعة التكرير : قلبوا الألف هاء. ولقد أغث «٢» أبو الطيب في قوله :
لعمرك ماما بان منك لضارب «٣»
وما ضره لو اقتدى بعذوبة لفظ التنزيل فقال :
لعمرك ما إن بان منك لضارب «٤»
(١). أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبزار وأبو يعلى والبخاري في الأدب المفرد، كلهم من رواية عطاء عن عائشة، ولفظ مسلم قريب من لفظ الكتاب.
(٢). قوله «و لقد أغث أبو الطيب» في الصحاح «أغث» : أى ردؤ وفسد، تقول : أغث الرجل في منطقه. (ع) [.....]
(٣) لعمرك ماما بان منك لضارب بأقتل مما بان منك لعائب
لأبى الطيب. يقول : وحياتك ليس الذي ظهر منك للضارب يعنى السنان، أفتل : أى أسرع قتلا من الذي ظهر منك للعائب، يعنى : اللسان، بل هما سواء في الحدة. ويجوز أنه استعار القتل للضرب تصريحا.
(٤). قال أحمد : بيت المتنبي ليس كما أنشده، وإنما هو كما يروى :
لعمرك إن ما بان منك لضارب بأقتل مما بان منك لعائب
ولا يستقيم إلا كذلك لأن قبله :
هو ابن رسول اللّه وابن صفيه وشبههما شبهت بعد التجارب
من قصيدة يمدح بها طاهر بن الحسين العلوي، ولو أنى أبو الطيب عوض «ما» ب «إن» لجاء البيت :
يرى أن إن ما بان منك لضارب
وهذا التكرار أثقل من تكرار «ما» بلا مراء. وإنما فنده الزمخشري وألزمه استعمال «إن» عوض «ما» لاعتقاده أن البيت كما أنشده :
لعمرك ما مابان منك لضارب بأقتل مما بان منك لعائب
ولو عوض «إن» عوض «ما» كما أصلحه الزمخشري : لزم دخول الباء في خبر «ما» وإنما تدخل الباء في خبر «ما» الحجازية العاملة، و«إن» لا تعمل عمل «ما» على الصحيح، فلا يستقيم دخول الباء في خبرها، فما عدل المتنبي عن ذلك إلا لتعذره عليه من كل وجه. على أنى لا أبرئ المتنبي من التعجرف، فانه كان مغرى به، مغرما بالغريب من النظم. ونقل الزمخشري في الآية وجها آخر : وهو جعلها صلة مثلها في قوله :
يرجى المرء ما إن لا يراه وتعرض دون أدناه الخطوب
قال : ويكون معناه على هذا مكناهم في مثل ما مكناكم... الخ» قلت : واختص بهذه الطائفة قوله تعالى وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وقوله مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ.