باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك. واللّه يعلم أحوالكم ومتصرفاتكم ومتقلبكم في معايشكم ومتاجركم، ويعلم حيث تستقرون في منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثواكم في القبور. أو متقلبكم في أعمالكم ومثواكم من الجنة والنار. ومثله حقيق بأن يخشى ويتقى، وأن يستغفر ويسترحم. وعن سفيان بن عيينة : أنه سئل عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله حين بدأ به فقال فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ فأمر بالعمل بعد العلم وقال : اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ إلى قوله سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وقال : وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
ثم قال بعد فَاحْذَرُوهُمْ وقال : وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ثم أمر بالعمل بعد.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ إلى ٢١]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١)
كانوا يدعون الحرص على الجهاد ويتمنونه بألسنتهم ويقولون لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ في معنى الجهاد فَإِذا أُنْزِلَتْ وأمروا فيها بما تمنوا وحرصوا عليه كاعوا «١» وشق عليهم، وسقطوا في أيديهم، كقوله تعالى فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ. مُحْكَمَةٌ مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها إلا وجوب القتال. وعن قتادة : كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة، وهي أشدّ القرآن على المنافقين. وقيل لها «محكمة» لأنّ النسخ لا يرد عليها من قبل أنّ القتال قد نسخ ما كان من الصفح والمهادنة، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. وقيل : هي المحدثة، لأنها حين يحدث نزولها لا يتناولها النسخ، ثم تنسخ بعد ذلك أو تبقى غير منسوخة.
وفي قراءة عبد اللّه : سورة محدثة. وقرئ : فإذا نزلت سورة وذكر فيها القتال. على البناء للفاعل ونصب القتال الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هم الذين كانوا على حرف غير ثابتى الأقدام نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ أى تشخص أبصارهم جبنا وهلعا وغيظا، كما ينظر من أصابته الغشية عند الموت فَأَوْلى لَهُمْ وعيد بمعنى : فويل لهم، وهو أفعل : من الولي وهو القرب. ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ كلام مستأنف، أى : طاعة وقول معروف خير لهم. وقيل : هي حكاية قولهم، أى قالوا طاعة وقول معروف،
(١). قوله «كاعوا» في الصحاح : كاع الكلب يكوع، أى : مشى على كوعه في الرمل من شدة الحر. (ع)