أن يكن، فعسى على هذه القراءة هي ذات الخبر كالتي في قوله تعالى فَهَلْ عَسَيْتُمْ وعلى الأولى التي لا خبر لها كقوله تعالى وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً. واللمز : الطعن والضرب باللسان.
وقرئ : ولا تلمزوا - بالضم. والمعنى : وخصوا أيها المؤمنون أنفسكم بالانتهاء عن عيبها والطعن فيها، ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم، ففي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«اذكروا الفاجر بما فيه كى يحذره الناس» «١» وعن الحسن رضى اللّه عنه في ذكر الحجاج : أخرج إلى بنانا قصيرة قلما عرقت فيها الأعنة في سبيل اللّه ثم جعل يطبطب شعيرات له ويقول : يا أبا سعيد يا أبا سعيد، وقال لما مات : اللهم أنت أمته فاقطع سنته، فإنه أتانا أخيفش أعيمش «٢» يخطر في مشيته ويصعد المنبر حتى تفوته الصلاة، لا من اللّه يتقى ولا من الناس يستحى : فوقه اللّه وتحته مائة ألف أو يزيدون، لا يقول له قائل :
الصلاة أيها الرجل الصلاة أيها الرجل، هيهات دون ذلك السيف والسوط. وقيل : معناه لا يعب بعضكم بعضا، لأنّ المؤمنين كنفس واحدة، فمتى عاب المؤمن المؤمن فكأنما عاب نفسه. وقيل : معناه لا تفعلوا ما تلمزون به، لأن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمز نفسه حقيقة. والتنابز بالألقاب :
التداعي بها : تفاعل من نبزه، وبنو فلان يتنابزون ويتنازبون ويقال : النبز «٣» والنزب : لقب السوء والتلقيب المنهي عنه، وهو ما يتداخل المدعوّ به كراهة لكونه تقصيرا به وذمّا له وشينا، فأما ما يحبه مما يزينه وينوّه به فلا بأس به. روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«من حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه إليه» «٤» ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن.

__
(١). أخرجه أبو يعلى والترمذي الحكيم في النوادر في الثامن والستين والعقيلي وابن عدى وابن حبان كلهم من رواية الجارود بن يزيد عن بهز بن حكيم. عن أبيه عن جده مرفوعا أترعوون عن ذكر الفاجر؟ اذكره بما فيه، كى يحذره الناس» واتفقوا على أن الجارود غير ثقة، وقال الدارقطني : هو من وضع الجارود ثم سرقه منه جماعة منهم عمرو بن الأزهر، وسليمان بن عيسى عن الثوري عن بهز وسليمان وعمرو كذا بان وقد رواه العلاء بن بشر عن ابن عيينة عن بهز : قال الدارقطني : وابن عيينة لم يسمع من بهز وغير لفظه فقال :«ليس للفاسق غيبة» انتهى وهذا أورده البيهقي في الشعب عن الحاكم بسنده إلى العلاء وقال : قال الحاكم : هذا غير صحيح ولا معتمد. وقال ابن طاهر : روى عن معمر عن بهز أيضا أخرجه عبد الوهاب أخو عبد الرزاق. وعبد الوهاب كذاب وأخرجه الطبراني في الأوسط وقال لم يروه عن معمر غيره، قال : وله طريق أخرى عن عمر بن الخطاب رواه يوسف بن أبان حدثنا الأبرد بن حاتم أخبرنى منهال السراج عن عمر.
(٢). قوله «فانه أتانا أخيفش أعيمش» في الصحاح «الخفش» : صغر في العين، وضعف في البصر خلقة والرجل أخفش. وفيه : العمش في العين : ضعف الرؤية مع سيلان الدمع. والرجل أعمش اه. وأخيفش وأعيمش تصغير : أخفش وأعمش. (ع)
(٣). قوله «و يقال النبز» في الصحاح «النبز» بالتحريك : اللقب، وبالتسكين : المصدر. (ع)
(٤). لم أجده هكذا، وروى البيهقي في الشعب في الحادي والستين عن عثمان بن طلحة الحجى رفعه قال «ثلاث مصفين لك ود أخيك : تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه» وفيه موسى بن عبد الملك بن عمير وهو ضعيف. وروى أبو يعلى والطبراني من حديث ذيال بن عبيد بن حنظلة حدثني جدي حنظلة بن جذيم قال :«كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعجبه أن يدعى الرجل بأحب الأسماء إليه».


الصفحة التالية
Icon