به ممن شوهد منه الستر والصلاح، وأونست منه الأمانة في الظاهر، فظنّ الفساد والخيانة به محرّم، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث. عن النبي صلى اللّه عليه وسلم :
«إن اللّه تعالى حرّم من المسلم دمه وعرضه وأن يظنّ به ظنّ السوء» «١» وعن الحسن : كنا في زمان الظن بالناس حرام، وأنت اليوم في زمان اعمل واسكت، وظنّ بالناس ما شئت.
وعنه : لا حرمة لفاجر. وعنه : إن الفاسق إذا أظهر فسقه وهتك ستره هتكه اللّه، وإذا استتر لم يظهر اللّه عليه لعله أن يتوب. وقد روى : من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له «٢».
والإثم : الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب. ومنه قيل لعقوبته : الأثام، فعال منه : كالنكال والعذاب والوبال. قال :
لقد فعلت هذى النّوى بى فعلة أصاب النّوى قبل الممات أثامها «٣»
والهمزة فيه عن الواو، كأنه يثم الأعمال : أى يكسرها بإحباطه. وقرئ : ولا تحسسوا بالحاء والمعنيان متقاربان. يقال : تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه : تفعل من الجس، كما أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس، لما في اللمس من الطلب. وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالى وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ والتحسس : التعرّف من الحس، ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان : الحواس بالحاء والجيم، والمراد النهى عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه. وعن مجاهد. خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره اللّه. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم، أنه خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهنّ. قال : يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين : فإن من تتبع عورات المسلمين تتبع اللّه عورته حتى يفضحه
(١). أخرجه ابن ماجة. من حديث ابن عمر بإسناد فيه لين، ولفظه «رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يطوف بالكعبة وهو يقول : ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند اللّه حرمة منك : ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرا» وروى ابن أبى شيبة من طريق مجالد عن الشعبي عن ابن عباس أن النبي صلى اللّه عليه وسلم نظر إلى الكعبة فقال «ما أعظمك وأعظم حرمتك والمسلم أعظم حرمة منك. حرم اللّه دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ظن السوء. وروى البيهقي في الشعب من طريق مجاهد عن ابن عباس نحوه. وفيه حفص بن عبد الرحمن. [.....]
(٢). أخرجه البيهقي في الشعب في التاسع والستين والقضاعي في مسند الشهاب من طريق رواه بن الجراح عن أبى سعد الساعدي عن أنس وإسناده ضعيف. وأخرجه ابن عدى من رواية الربيع بن بدر عن أبان عن أنس وإسناده أضعف من الأول.
(٣). النوى : نية المسافر من قرب أو بعد، فهي مؤنثة، وتستعمل اسم جمع نية، فيذكر : أى لقد فعلت في هذه النية فعلة مسيئة، فهي بمعنى في، ثم دعا عليها بقوله : أصاب النوى التي أذتنى أثامها، أى : جزاء تلك الفعلة.
أو جزاء النوى التي تستحقه. وقد يسمى الذنب إثما وأثاما، من إطلاق المسبب على السبب، وقال قبل الممات، أى : قبل موته ليتشفى فيها، فكأنه شبهها بعدو، ثم دعا عليها.