ولو في جوف بيته «١». وعن زيد بن وهب : قلنا لا بن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة ابن أبى معيط تقطر لحيته خمرا؟ فقال ابن مسعود : إنا قد نهينا عن التجسس، فإن ظهر لنا شيء أخذنا به «٢». غابه واغتابه : كغاله واغتاله. والغيبة من الاغتياب، كالغيلة من «٣» الاغتيال :
وهي ذكر السوء في الغيبة. سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الغيبة فقال :«أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته» «٤» وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما : الغيبة إدام كلاب الناس أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه. وفيه مبالغات شتى : منها الاستفهام الذي معناه التقرير.
ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة. ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك. ومنها أن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخا. ومنها أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتا. وعن قتادة :
كما تكره إن وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها، كذلك فاكره لحم أخيك وهو حى. وانتصب مَيْتاً على الحال من اللحم. ويجوز أن ينتصب عن الأخ. وقرئ : ميتا. ولما قرّرهم عز وجل بأنّ أحدا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه، عقب ذلك بقوله تعالى فَكَرِهْتُمُوهُ معناه : فقد كرهتموه واستقرّ ذلك. وفيه معنى الشرط، أى : إن صحّ هذا فكرهتموه، وهي الفاء الفصيحة،

__
(١). أخرجه الطبراني والعقيلي. وابن عدى من رواية قدامة بن محمد الأشجعى عن إسماعيل بن شبيب الطائفي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بهذا وفي الباب عن ابن عمر رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه ولفظه «صعد النبي صلى اللّه عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيع : قال يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الايمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فانه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع اللّه عورته ومن تتبع اللّه عورته يفضحه، ولو في جوف رحله» وعن أبى بردة عند أبى داود وأحمد والطبراني وأبى يعلى وعن البراء بن عازب عند أبى يعلى والبيهقي في الشعب في التاسع والستين من رواية مصعب بن سلام عن أبى إسحاق عن البراء. وعن ثوبان عند أحمد بلفظ «لا تؤذوا عباد اللّه ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم فانه من طلب عورة أخيه المسلم طلب اللّه عورته حتى يفضحه في بيته» وعن بريدة عند الطبراني وابن مردويه ولفظه «صلينا الظهر خلف النبي صلى اللّه عليه وسلم فلما انفتل أقبل علينا غضبان فنادى بصوت أسمع العواتق في جوف الخدور فذكر نحوه.
(٢). أخرجه أبو داود وابن أبى شيبة وعبد الرزاق والطبراني والبيهقي في الشعب في الثاني والخمسين من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب قال «أتى ابن مسعود قيل له : هذا فلان تقطر لحيته خمرا»
لفظ أبى داود والباقين نحوه. ورواه الحاكم والبزار من رواية أسباط عن الأعمش فقال فيه «إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نهانا عن التجسس» قال البزار تفرد به أسباط وقال ابن أبى حاتم عن أبى زرعة والترمذي عن البخاري : أخطأ فيه أسباط.
والصحيح من رواية أبى معاوية وغيره عن الأعمش «إن اللّه نهانا»
(٣). قوله «كالغيلة من الاغتيال» كذا في الصحاح. وفيه يقال : قتله غيلة، وهو أن يخدعه فيذهب به إلى موضع فيقتله فيه. (ع)
(٤). متفق عليه من حديث أبى هريرة.


الصفحة التالية
Icon