أى : فتحققت - بوجوب الإقرار عليكم وبأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره، لإباء البشرية عليكم أن تجحدوه - كراهتكم له وتقذركم منه، فليتحقق أيضا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين. وقرئ : فكرهتموه. أى : جبلتم على كراهته. فإن قلت : هلا عدّى بإلى كما عدّى في قوله وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وأيهما القياس؟ قلت : القياس تعدّيه بنفسه، لأنه ذو مفعول واحد قبل تثقيل حشوه، تقول : كرهت الشيء، فإذا ثقل استدعى زيادة مفعول. وأما تعدّيه بإلى، فتأوّل وإجراء لكره مجرى بغض، لأنّ بغض منقول من بغض إليه الشيء فهو بغيض إليه، كقولك : حب إليه الشيء فهو حبيب إليه. والمبالغة في التواب للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، أو لأنه ما من ذنب يقترفه المقترف إلا كان معفوا عنه بالتوبة. أو لأنه بليغ في قبول التوبة، منزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط، لسعة كرمه.
والمعنى : واتقوا اللّه بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد منكم منه، فإنكم إن اتقيتم تقبل اللّه توبتكم وأنعم عليكم بثواب المتقين التائبين. وعن ابن عباس : أن سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوّى لهما طعامهما، فنام عن شأنه يوما، فبعثاه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبغى لهما إداما، وكان أسامة على طعام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال : ما عندي شيء، فأخبرهما سلمان بذلك، فعند ذلك قالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها، فلما راحا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لهما : مالى أرى خضرة اللحم في أفواهكما، فقالا : ما تناولنا لحما فقال : إنكما قد اغتبتما «١» فنزلت.
[سورة الحجرات (٤٩) : آية ١٣]
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى من آدم وحوّاء. وقيل : خلقنا كل واحد منكم من أب وأمّ، فما منكم أحد إلا وهو يدلى بمثل ما يدلى به الآخر سواء بسواء، فلا وجه للتفاخر والتفاضل في النسب. والشعب : الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب، وهي : الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة، فالشعب يجمع القبائل، والقبيلة تجمع، العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل : خزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصى بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة. وسميت الشعوب،

__
(١). هكذا ذكره الثعلبي وربيعة بغير سند ولا راو. وفي الترغيب لأبى القاسم الأصبهانى من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبى ليلة نحوه.


الصفحة التالية
Icon