وقيل : الدهان الأديم الأحمر. وقرأ عمرو بن عبيد. وردة بالرفع، بمعنى : فحصلت سماء وردة، وهو من الكلام الذي يسمى التجريد، كقوله :
فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة تحوى الغنائم أو يموت كريم «١»
إِنْسٌ بعض من الإنس وَلا جَانٌّ أريد به : ولا جن، أى : ولا بعض من الجن، فوضع الجان الذي هو أبو الجن موضع الجن، كما يقال : هاشم، ويراد ولده. وإنما وحد ضمير الإنس في قوله عَنْ ذَنْبِهِ لكونه في معنى البعض. والمعنى : لا يسألون لأنهم يعرفون بسيما المجرمين وهي سواد الوجوه وزرقة العيون. فإن قلت : هذا خلاف قوله تعالى فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ وقوله وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ. قلت : ذلك يوم طويل وفيه مواطن، فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر : قال قتادة : قد كانت مسألة، ثم ختم على أفواه القوم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. وقيل لا يسأل عن ذنبه ليعلم من جهته، ولكن يسأل سؤال توبيخ. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : ولا جأن، فرارا من التقاء الساكنين، وإن كان على حده.
[سورة الرحمن (٥٥) : الآيات ٤١ إلى ٤٥]
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥)

__
(١) ومعى أسود من حنيفة في الوغى للبيض فوق رؤسهم توسيم
قوم إذا لبسوا الحديد كأنهم في البيض والحلق الدلاص نجوم
فلئن بقيت لأرجعن بغزوة نحو الغنائم أو يموت كريم
لقتادة بن مسلم الحنفي. والدلاص : اللينة الملساء. واستعار الأسود الشجعان على طريق التصريح، ثم قال : إنهم موسومون في الحرب بالمغافر حال كونها فوق رؤسهم. والمراد بالحديد : الدروع والمغافر والحلق الدروع وكانت بيضاء. فشبههم فيها بالنجوم للمعانها. أو كانت سوداء، فشبه وجوههم فيها بالنجوم في السماء، فالجامع مركب حسى، والفاء في قوله «فلئن بقيت» تدل على أن ما بعدها مسبب عما قبلها من توفر رجاله وشجاعتهم ومنعتهم، أى : واللّه لئن طال عمرى لأرجعن إلى الأعداء بغزوة أخرى تجمع الغنائم ونحوها، فنحو بالنون : فعل مضارع مجزوم في جواب شرط مقدر، أى : إن رجعنا إليهم بغزوة نجمع الغنائم منهم. وأما جواب إن المذكورة فمحذوف، دل عليه جواب القسم. وروى : لأرحلن بغزوة، أى : لأسافرن بغزوة، تحوى بالتاء وزيادة الياء، أى تجمع الغنائم وتحوزها. وإسناد العمل للغزوة، لأنها سبب الجمع والحيازة. ويجوز أن معناها الكتيبة، مبالغة في غزوها.
وروى نحوى بالنون مع الياء، أى : نجمع نحن ونحوز في تلك الغزوة، فالجملة صفة لغزوة. ويجوز أنه استئناف :
جواب لسؤال مصدر. وروى : نحو الغنائم بالنصب على الظرفية، أى جهة الغنائم. وأو بمعنى إلا، أى إلا أن يموت كريم يعنى نفسه، فهو من باب التجريد، كأنه انتزع من نفسه شخصا مثله في الشجاعة فأخبر عنه، والكرم هنا الشجاعة، لأنه في كل باب بحسبه، فليس خاصا بمقابل البخل. ومعنى الاستثناء راجع إلى معنى الجمع والحيازة، ولا يلزم من اشتراط البقاء في الذهاب اشتراط فيما يوجد عقبه فلا تكرار.


الصفحة التالية
Icon