العدو، والسعى : التصرف في كل عمل. ومنه قوله تعالى فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وعن الحسن : ليس السعى على الأقدام، ولكنه على النيات والقلوب.
وذكر محمد بن الحسن رحمه اللّه في موطنه : أن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع فأسرع المشي. قال محمد : وهذا لا بأس به ما لم يجهد نفسه إِلى ذِكْرِ اللَّهِ إلى الخطبة والصلاة، ولتسمية اللّه الخطبة ذكرا له قال أبو حنيفة رحمه اللّه : إن اقتصر الخطيب على مقدار يسمى ذكرا للّه كقوله :
الحمد للّه، سبحان اللّه : جاز «١». وعن عثمان أنه صعد المنبر فقال : الحمد للّه وأرتج عليه، فقال :
إن أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالا، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوّال، وستأتيكم «٢» الخطب، ثم نزل، وكان ذلك بحضرة الصحابة ولم ينكر عليه أحد. وعند صاحبيه والشافعي : لا بد من كلام يسمى خطبة. فإن قلت : كيف يفسر ذكر اللّه بالخطبة وفيها ذكر غير اللّه؟ «٣» قلت : ما كان من ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير فهو في حكم ذكر اللّه، فأمّا ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم، وهم أحقاء بعكس ذلك، فمن ذكر الشيطان وهو من ذكر اللّه على مراحل، وإذا قال المنصت للخطبة لصاحبه «صه» فقد لغا، أفلا يكون الخطيب الغالي في ذلك لا غيا، نعوذ باللّه من غربة الإسلام ونكد الأيام.
أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر اللّه من شواغل الدنيا، وإنما خص البيع من بينها لأن يوم
(١). قال : محمود «استدل بذلك على مذهب أبى حنيفة رحمه اللّه... الخ» قال أحمد : ولا دليل فيه، فان العرب تسمى الشيء باسم بعض ما يشتمل عليه، كما سميت الصلاة مرة قرآنا ومرة سجودا ومرة ركوعا، لأنها مشتملة على ذلك، فكذلك الخطبة لما كانت مشتملة على ذكر اللّه سميت به، ولا يلزم أن يكون كذلك كل ما اشتملت عليه. لا سيما والمسمى خطبة عند العرب لا بد وأن يزيد على القدر الذي اكتفى به أبو حنيفة. قال بعض أصحاب مالك رحمه اللّه : أقلها حمد اللّه والصلاة على نبيه وتحذير وتبشير وقرآن.
(٢). أتبع الزمخشري الاستدلال على مذهب أبى حنيفة بالآية، بأثر عن عثمان : وهو أنه صعد المنبر فقال إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وستأتيكم الخطب ثم نزل وكان ذلك بحضرة الصحابة فلم ينكر عليه أحد» قال أحمد : سلمه بلا اشتباه، فإن عثمان لم يصدر ذلك منه في خطبة الجمعة، وإنما كان ذلك في ابتداء خلافته وصعوده المنبر للبيعة، وكانت عادة العرب الخطب في المهمات.
ألا ترى إلى قوله : وستأتيكم بعد ذلك الخطب، فان ذلك يحقق أن مقالته هذه ليست بخطبة، ولو كان في الجمعة لكان تاركا للخطبة بالكلية، وهي منقولة في التاريخ أنه أرتج عليه فقال : سيجعل اللّه بعد عسر يسرا وبعد عي بيانا، وإنكم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وستأتيكم الخطب.
(٣). قال محمود :«إن قلت : كيف فسر ذكر اللّه بالخطبة وفيه ذكر غير اللّه، وأجاب بأن ذكر رسول اللّه والصحابة والخلفاء الراشدين... الخ» قال أحمد : الدعاء السلطان الواجب الطاعة مشروع بكل حال. وقد نقل عن بعض السلف أنه دعا لسلطان ظالم فقيل له : أتدعو له وهو ظالم؟ فقال : إي واللّه أدعو، له إن ما يدفع اللّه ببقائه أعظم مما يندفع بزواله، لا سيما إذا ضمن ذلك الدعاء بصلاحه وسداده وتوفيقه، واللّه الموفق.