وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أى : ولكل من كفر باللّه من الشياطين وغيرهم عَذابُ جَهَنَّمَ ليس الشياطين المرجومين مخصوصين بذلك. وقرئ عذاب جهنم بالنصب عطفا على عذاب السعير إِذا أُلْقُوا فِيها أى طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة، ويرمى به. ومثله قوله تعالى حَصَبُ جَهَنَّمَ. سَمِعُوا لَها شَهِيقاً إمّا لأهلها ممن تقدم طرحهم فيها. أو من أنفسهم، كقوله لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ وإما للنار تشبيها لحسيسها»
المنكر الفظيع بالشهيق وَهِيَ تَفُورُ تغلى بهم غليان المرجل بما فيه. وجعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم، ويقولون : فلان يتميز غيظا ويتقصف غضبا، وغضب فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء : إذا وصفوه بالإفراط فيه. ويجوز أن يراد : غيظ الزبانية أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ توبيخ يزدادون به عذابا إلى عذابهم وحسرة إلى حسرتهم. وخزنتها : مالك وأعوانه من الزبانية قالُوا بَلى اعتراف منهم بعدل اللّه، وإقرار بأن اللّه عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة «٢»، وإنما أتوا من قبل أنفسهم، واختيارهم خلاف ما اختار اللّه وأمر به وأوعد على ضده. فإن قلت : إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ من المخاطبون به؟ قلت : هو من جملة قول الكفار وخطابهم للمنذرين، على أنّ النذير بمعنى الإنذار. والمعنى : ألم يأتكم أهل نذير. أو وصف منذروهم لغلوهم في الإنذار، كأنهم ليسوا إلا إنذارا، وكذلك قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ ونظيره قوله تعالى نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
أى حاملا رسالته. ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار على إرادة القول : أرادوا حكاية ما كانوا عليه من ضلالهم في الدنيا. أو أرادوا بالضلال : الهلاك. أو سموا عقاب الضلال باسمه. أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة، أى قالوا لنا هذا فلم نقبله لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ
(١). قوله «تشبيها لحسيسها» في الصحاح : الحس والحسيس : الصوت، والخفي. (ع)
(٢). قوله «كما تزعم المجبرة» إن كان مراده أهل السنة كعادته لقولهم : إنه تعالى هو الخالق لأفعال العباد، وأنها بقضائه تعالى وقدره، بل من جهة ما لهم فيها من الكسب والاختيار كما تقرر في محله وإن كان مراده القائلين بالجبر المحض وأن العبد كالريشة المعلقة في الهواء لا دخل له في عمله أصلا، فقد أصاب الفرق الضروري بين حركة اليد في البطش وحركتها في الارتعاش، كما تقرر في علم التوحيد، فارجع إليه. (ع)