والرهق : غشيان المحارم. والمعنى : أنّ الإنس باستعاذتهم بهم زادوهم كبرا وكفرا، وذلك أنّ الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره وخاف على نفسه قال : أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا :
سدنا الجن والإنس، فذلك رهقهم. أو فزاد الجن الإنس رهقا بإغوائهم وإضلالهم لاستعاذتهم بهم وَأَنَّهُمْ وأنّ الإنس ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ وهو من كلام الجن، يقوله بعضهم لبعض.
وقيل : الآيتان من جملة الوحى. والضمير في وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا للجنّ، والخطاب في ظَنَنْتُمْ لكفار قريش.
[سورة الجن (٧٢) : الآيات ٨ إلى ٩]
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩)
اللمس : المس، فاستعير للطلب، لأنّ الماس طالب متعرّف. قال :
مسسنا من الآباء شيئا وكلّنا إلى نسب في قومه غير واضع «١»
يقال : لمسه والتمسه وتلمسه «كطلبه وأطلبه وتطلبه» ونحوه : الجس. وقولهم جسوه بأعينهم وتجسسوه. والمعنى : طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها. والحرس : اسم مفرد في معنى الحرّاس، كالخدم في معنى الخدّام، ولذلك وصف بشديد، ولو ذهب إلى معناه لقيل :
شدادا، ونحوه
أخشى رجيلا أو ركيبا غاديا «٢»
لأنّ الرجل والركب مفردان في معنى الرجال والركاب. والرصد : مثل الحرس : اسم جمع
(١) مسسنا عن الآباء شيئا فكلنا إلى نسب في قومه غير واضع
فلما بلغنا الأمهات وجدتم بنى عمكم كانوا كرام المضاجع
ليزيد بن الحاكم الكلابي. ومسسنا : أى نلنا، فالمس مجاز مرسل، فكل منا ينتمي إلى نسب في قومه غير منخفض ويروى : إلى حسب، فاستوينا من جهة الآباء في التفاخر، فلما بلغنا فيه ذكر الأمهات وجدتم أقاربكم كرام المضاجع كناية عن الأزواج. أو عبر باسم المحل عن الحال فيه، وهن الأزواج مجازا مرسلا، وكرم النساء مذموم، لأنه كناية عن الخنا، كما يكنى ببخلهن عن العفة، فلسنا سواء في الأمهات.
(٢) أخشى رجيلا أو ركيبا غاديا والذئب أخشاه وكلبا عاويا
الرجيل : تصغير رجل. والركيب : تصغير ركب. غاديا : أى سائرا في الغداة على العادة. يقول : أخاف لهرمى.
وضعفى الرجل الصغير والركب القليل. والذئب : نصب بمضمر، كالمذكور على الاشتغال. أى : وأخشى الذئب وكلبا عطف عليه. أو نصب بمضمر، أى : وأخشى كلبا عاويا. والجملة معطوفة على جملة «أخشى رجيلا» وعيد الكلب بكونه علويا، لئلا يتوهم كذبه في دعواه.