[سورة الإنسان (٧٦) : آية ٢]

إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً (٢)
نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ كبرمة أعشار «١»، وبرد أكياش : وهي ألفاظ مفردة غير جموع، ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضا : نطفة مشج، قال الشماخ :
طوت أحشاء مرتجة لوقت على مشج سلالته مهين «٢»
ولا يصحّ أمشاج أن يكون تكسيرا له، بل هما مثلان في الإفراد، لوصف المفرد بهما.
ومشجه ومزجه : بمعنى. والمعنى من نطفة قد امتزج فيها الماءان. وعن ابن مسعود : هي عروق النطفة. وعن قتادة : أمشاج ألوان وأطوار، يريد : أنها تكون نطفة، ثم علقة، ثم مضغة نَبْتَلِيهِ في موضع الحال، أى : خلقناه مبتلين له، بمعنى : مريدين ابتلاءه، كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا، تريد : قاصدا به الصيد غدا. ويجوز أن يراد : ناقلين له من حال إلى حال، فسمى ذلك ابتلاء على طريق الاستعارة. وعن ابن عباس : نصرفه في بطن أمّه نطفة ثم علقة. وقيل : هو في تقدير التأخير، يعنى : فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه، وهو من التعسف.
[سورة الإنسان (٧٦) : آية ٣]
إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (٣)
شاكرا وكفورا : حالان من الهاء في هديناه «٣»، أى : مكناه وأقدرناه في حالتيه جميعا.
أو دعوناه إلى الإسلام بأدلة العقل والسمع : كان معلوما منه «٤» أنه يؤمن أو يكفر، لإلزام الحجة. ويجوز أن يكونا حالين من السبيل، أى : عرفناه السبيل إما سبيلا شاكرا وإما سبيلا كفورا كقوله وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ووصف السبيل بالشكر والكفر مجاز. وقرأ أبو السمال بفتح الهمزة
__
(١). قوله «كبرمة أعشار» في الصحاح «برمة أعشار» إذا انكسرت قطعا قطعا وقلب أعشار : جاء على بناء الجمع، كما قالوا : رمح أقصاد اه، ولم يذكر أكباش ولا مادته فيه، فلينظر في غيره. (ع)
(٢). للشماخ. ورتجت الباب وأرتجته : إذا أغلقته. والرتاج : الباب. ومشج الشيء : مزجه. والمشج - كسبب - : الممزوج. ومثله : أمشاج، فهو مفرد على صورة الجمع كأخلاق. وقيل : جمع مشج. والسلالة - في الأصل : ما ينسل من بين الأصابع من الطين المائع. والمهين : الحقير، يصف امرأة قبلت المنى في فرجها وطوت قبلها عليه. ومرتجة صفة للأحشاء : أى مغلقة إلى وقت تمام الحمل. على منى مختلط من منى الرجل ومنيها، سلالته :
أى ما انسل وتدفق منه : مهين : حقير. وفعيل : يوصف به المذكر والمؤنث، والواحد والمتعدد.
(٣). قال محمود «هما حالان من الهاء في هديناه... الخ» قال أحمد : هذا من تحريفه المنكر وهو عند أهل السنة على ظاهره. [.....]
(٤). قال محمود :«أو يكون معناه إنا دعوناه إلى الايمان كان معلوما منه... الخ» قال أحمد : واستحسانه لقراءة أبى السمال لتخيله أن في التقسيم إشعارا بغرضه الفاسد، وليس كذلك، فان التقسيم يحتمل الجزاء إما شاكرا فمناب، وإما كفورا فمعاقب، ويرشد إليه ذكر جزاء الفريقين بعد.


الصفحة التالية
Icon