ولما عدد النعم في نفسه : أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه، فقال فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ إلى مطعمه الذي يعيش به كيف دبرنا أمره أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ يعنى الغيث. قرئ بالكسر على الاستئناف، وبالفتح على البدل من الطعام. وقرأ الحسين بن على رضى اللّه عنهما. أنى صببنا، بالإمالة على معنى : فلينظر الإنسان كيف صببنا الماء. وشققنا : من شق الأرض بالنبات ويجوز أن يكون من شقها بالكراب على «١» البقر، وأسند الشك إلى نفسه إسناد الفعل إلى السبب. والحب : كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما. والقضب : الرطبة «٢».
والمقضاب : أرضه، سمى بمصدر قضبه إذا قطعه، لأنه يقضب مرّة بعد مرّة وَحَدائِقَ غُلْباً يحتمل أن يجعل كل حديقة غلباء، فيريد تكاثفها وكثرة أشجارها وعظمها، كما تقول : حديقة ضخمة، وأن يجعل شجرها غلبا، أى : عظاما غلاظا. والأصل في الوصف بالغلب : الرقاب، فاستعير. قال عمرو بن معد يكرب :
يمشى بها غلب الرّقاب كأنّهم بزل كسين من الكحيل جلالا «٣»
والأب : المرعى، لأنه يؤبّ أى يؤم وينتجع. والأبّ والأمّ : أخوان. قال :
جذمنا قيس ونجد دارنا ولنا الأبّ به والمكرع «٤»
وعن أبى بكر الصديق رضى اللّه عنه أنه سئل عن الأب فقال : أىّ سماء تظلني، وأىّ أرض تقلني إذا قلت في كتاب اللّه ما لا علم لي به «٥». وعن عمر رضى اللّه عنه : أنه قرأ هذه الآية فقال :
(١). قوله «من شقها بالكراب» في الصحاح : كربت الأرض، إذا قلبتها للحرث. (ع) [.....]
(٢). قوله «و القضب الرطبة» في الصحاح «القضبة، والقضب» الرطبة. وفيه أيضا «الرطبة» بالفتح :
القضب اه وفيه دور. وقال بعض الفضلاء «القضب» : هو المسمى في مصر بالبرسيم الحجازي. (ع)
(٣). لعمرو بن معديكرب. ويقال : أسد أغلب، أى : غليظ العنق، والغلب : جمعه، ثم استعير لكل غليظ والبزل : جمع بازل للمذكر والمؤنث من الإبل إذا انفطر نأيه، وذلك في السنة التاسعة : والكحيل : القطران.
والجلال : جمع جل : يصف مفازة تمشى فيها أسود غلاظ الأعناق، كأنها فتيات من الإبل دهنت بالقطران حتى صار عليها كالجلال، فكسين : استعارة مصرحة، والجلال : ترشيح. ويروى : كأنهم، باستعارة ضمير العقلاء لغيرهم.
(٤). الجذم - بالكسر وقد يفتح : الأصل الذي يقتطع منه غيره. والأب والأم - بالفتح والتشديد - بمعنى المرعى، لأنه يؤب ويؤم، أى : يقصد. والمكرع : المنهل. يقول : نحن من قبيلة قيس ونجد هي ديارنا، ولنا به أى في نجد المرعى والمروي. وفيه تمدح بالشرف والشجاعة على غيره.
(٥). أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن. حدثنا محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي أن أبا بكر رضى اللّه عنه سئل عنه فذكره ورواه ابن أبى شيبة وعبد بن حميد من هذا الوجه. وهذا منقطع.
ورواه يحيى الحماني وابن عبد البر في العلم من طريقه من رواية إبراهيم النخعي عن أبى معمر عن أبى بكر فذكره.