إظهار براءته من التزيد، وأنه ممن يقلل كثير ما عنده، فضلا أن يتزيد، فجاء بلفظ التقليل، ففهم منه معنى الكثرة على الصحة واليقين. وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه أنّ قارئا قرأها عنده، فلما بلغ عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ قال : وانقطاع ظهرياه.
[سورة التكوير (٨١) : الآيات ١٥ إلى ١٨]
فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ (١٨)
بِالْخُنَّسِ الرواجع، بينا ترى النجم في آخر البرج إذ كرّ راجعا إلى أوله. والْجَوارِ السيارة. والْكُنَّسِ «١» الغيب من كنس الوحشي : إذا دخل كناسه. قيل : هي الدراري
__
(١). تعرض الزمخشري في تفسيره العامل الخ. قال أحمد : هذا الجواب لا يستمر، لأجل ظهور الفعل الثاني في قوله فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ولما أعضل الجواب عن هذا السؤال في سورة التكوير : التزم الشيخ أبو عمرو بن الحاجب إجازة التعطف على عاملين، واتخذ هذه الآية وزره ومعضده في مخالفة سيبويه، ورد على الزمخشري جوابه في سورة والشمس وضحاها، لأنه لم يطرد له هاهنا، وكان على رده يستحسن تيقظ فطنته في استنباطه، ونحن واللّه الموفق نلتزم مذهب سيبويه في امتناع العطف على عاملين في جعل الواو الثانية عاطفة، ويجرى جواب الزمخشري هاهنا وينفصل عن هذه الآية فتقول : قوله وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ هذه الواو الأولى ابتداء قسم، والواو في قوله وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ عاطفة فيطرد ما قال الزمخشري. فإن قيل : فقد خالفتم سيبويه، فانه لا يرى الواو المتعقبة للقسم ابتداء قسم بل عاطفة، وقد جعلتم الواو الأولى وهي متعقبة للقسم ابتداء قسم؟ قلنا : إنما تكلم سيبويه في الواو المتعقبة للقسم بالواو وأما الآية فالقسم الأول فيها بالباء والفعل، فجعلنا الواو بعد ذلك قسما وتبعا، وهو أبلغ، كأنه أقسم قسمين بشيئين مختلفين. فان قبل : أجل. إنما تكلم سيبويه على الواو المتعقبة للقسم بالواو، فما الفرق بين المتعقبة للقسم بالواو والمتعقبة للقسم بالباء؟ وما هما إلا سواء، فان كل واحد منهما آلة له، والتاء تدل على الباء فحكمهما واحد؟ قلنا : ليستا سواء فان القسم منى صدر بالواو ولم يله واو أخرى، فجعلها قسما آخر فيه تكرار منكره، إذ الآلة واحدة، ولا كذلك إذا اختلفت الآلة، فان عاملة التكرار مأمونة إذا، ألا ترى أنه لو صدر القسم بالواو، ثم تلاه قسم بالباء، لتحتم جعلهما قسمين مستقلين، فكذلك لو حولف هذا الترتيب.
وأيضا، فإنه إن كان المانع لسيبويه من جعل الواو الثانية قسما مستقلا مجيء الجواب واحدا، واحتياج الواو الأولى إلى محذوف، فالعطف يغنى عن تقدير محذوف، فيتعين، فلا يلزم اطراد الباء لأنها أصل القسم لا سيما مع التصريح بفعل القسم ثم تأكيده بزيادة لا، فان في مجموع ذلك ما يغنى عن إفراده بجواب مذكور، ولا كذلك الواو فإنها ضعيفة المكنة في باب القسم بالنسبة إلى الباء، فلا يلزم من حذف جواب تمكنت الدلالة عليه حذف جواب دونه في الوضوح، وأختم الكلام على هذا السؤال بنكتة بديعة فأقول : إنما خصصت إيراد السؤال بالواو الثانية في قوله وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ دون الثالثة لأنه غير متوجه عليها. ألا تراك لو جعلتها عاطفة لم يلزمك العطف على عاملين، لأنك نجعلها نائبة عن الباء وتجعل إذا فيها منصوبة بالفعل مباشرة إذا لم يتقدم في جملة الفعل ظرف تعطف عليه إذا، فتصير بمثابة قولك : مررت بزيد وعمرو اليوم، فاليوم منصوب بالفعل مباشرة، وفهم من المثال أن مرورك بزيد مطلق غير مقيد بظرف، وإنما المقيد باليوم مرورك بعمرو خاصة لكن يطابق الآية، فان الظرف فيها وإن عمل فيه الفعل مباشرة فهو مقيد القسم بالليل، لا للقسم بالخنس.
(١). تعرض الزمخشري في تفسيره العامل الخ. قال أحمد : هذا الجواب لا يستمر، لأجل ظهور الفعل الثاني في قوله فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ولما أعضل الجواب عن هذا السؤال في سورة التكوير : التزم الشيخ أبو عمرو بن الحاجب إجازة التعطف على عاملين، واتخذ هذه الآية وزره ومعضده في مخالفة سيبويه، ورد على الزمخشري جوابه في سورة والشمس وضحاها، لأنه لم يطرد له هاهنا، وكان على رده يستحسن تيقظ فطنته في استنباطه، ونحن واللّه الموفق نلتزم مذهب سيبويه في امتناع العطف على عاملين في جعل الواو الثانية عاطفة، ويجرى جواب الزمخشري هاهنا وينفصل عن هذه الآية فتقول : قوله وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ هذه الواو الأولى ابتداء قسم، والواو في قوله وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ عاطفة فيطرد ما قال الزمخشري. فإن قيل : فقد خالفتم سيبويه، فانه لا يرى الواو المتعقبة للقسم ابتداء قسم بل عاطفة، وقد جعلتم الواو الأولى وهي متعقبة للقسم ابتداء قسم؟ قلنا : إنما تكلم سيبويه في الواو المتعقبة للقسم بالواو وأما الآية فالقسم الأول فيها بالباء والفعل، فجعلنا الواو بعد ذلك قسما وتبعا، وهو أبلغ، كأنه أقسم قسمين بشيئين مختلفين. فان قبل : أجل. إنما تكلم سيبويه على الواو المتعقبة للقسم بالواو، فما الفرق بين المتعقبة للقسم بالواو والمتعقبة للقسم بالباء؟ وما هما إلا سواء، فان كل واحد منهما آلة له، والتاء تدل على الباء فحكمهما واحد؟ قلنا : ليستا سواء فان القسم منى صدر بالواو ولم يله واو أخرى، فجعلها قسما آخر فيه تكرار منكره، إذ الآلة واحدة، ولا كذلك إذا اختلفت الآلة، فان عاملة التكرار مأمونة إذا، ألا ترى أنه لو صدر القسم بالواو، ثم تلاه قسم بالباء، لتحتم جعلهما قسمين مستقلين، فكذلك لو حولف هذا الترتيب.
وأيضا، فإنه إن كان المانع لسيبويه من جعل الواو الثانية قسما مستقلا مجيء الجواب واحدا، واحتياج الواو الأولى إلى محذوف، فالعطف يغنى عن تقدير محذوف، فيتعين، فلا يلزم اطراد الباء لأنها أصل القسم لا سيما مع التصريح بفعل القسم ثم تأكيده بزيادة لا، فان في مجموع ذلك ما يغنى عن إفراده بجواب مذكور، ولا كذلك الواو فإنها ضعيفة المكنة في باب القسم بالنسبة إلى الباء، فلا يلزم من حذف جواب تمكنت الدلالة عليه حذف جواب دونه في الوضوح، وأختم الكلام على هذا السؤال بنكتة بديعة فأقول : إنما خصصت إيراد السؤال بالواو الثانية في قوله وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ دون الثالثة لأنه غير متوجه عليها. ألا تراك لو جعلتها عاطفة لم يلزمك العطف على عاملين، لأنك نجعلها نائبة عن الباء وتجعل إذا فيها منصوبة بالفعل مباشرة إذا لم يتقدم في جملة الفعل ظرف تعطف عليه إذا، فتصير بمثابة قولك : مررت بزيد وعمرو اليوم، فاليوم منصوب بالفعل مباشرة، وفهم من المثال أن مرورك بزيد مطلق غير مقيد بظرف، وإنما المقيد باليوم مرورك بعمرو خاصة لكن يطابق الآية، فان الظرف فيها وإن عمل فيه الفعل مباشرة فهو مقيد القسم بالليل، لا للقسم بالخنس.