النبوّة والملك يصوم يوما ويفطر يوما وهو أشدّ الصوم، ويقوم نصف الليل. يقال : فلان أيد، وذو أيد، وذو آد. وأياد كل شيء : ما يتقوّى به أَوَّابٌ توّاب رجاع إلى مرضاة اللّه فإن قلت : ما ذلك على أنّ الأيد القوّة في الدين؟ قلت : قوله تعالى إِنَّهُ أَوَّابٌ لأنه تعليل لذي الأيد وَالْإِشْراقِ وقت الإشراق، وهو حين تشرق الشمس، أى : تضيء ويصفو شعاعها وهو وقت الضحى. وأما شروقها فطلوعها، يقال : شرقت الشمس، ولما تشرق «١». وعن أمّ هانئ : دخل علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى وقال : يا أمّ هانئ هذه صلاة الإشراق «٢». وعن طاوس عن ابن عباس قال : هل تجدون ذكر صلاة الضحى في القرآن؟ قالوا لا، فقرأ : إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق وقال : كانت صلاة يصليها داود عليه السلام. وعنه : ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية.
وعنه : لم يزل في نفسي من صلاة الضحى شيء حتى طلبتها فوجدتها بهذه الآية يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وكان لا يصلى صلاة الضحى، ثم صلاها بعد. وعن كعب أنه قال لابن عباس : إنى لا أجد في كتب اللّه صلاة بعد طلوع الشمس، فقال : أنا أوجدك ذلك في كتاب اللّه تعالى، يعنى هذه الآية. ويحتمل أن يكون من أشرق القوم إذا دخلوا في الشروق، ومنه قوله تعالى فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ وقول أهل الجاهلية : أشرق «٣» ثبير، ويراد وقت صلاة الفجر لانتهائه بالشروق. ويسبحن : في معنى ومسبحات على الحال. فإن قلت : هل من فرق بين يسبحن ومسبحات «٤»؟ قلت : نعم، وما اختير يسبحن على مسبحات إلا لذلك، وهو الدلالة
(١). قال محمود :«الاشراق حين تشرق الشمس، أى يصفو نورها وهو وقت الضحى. وأما شروقها فطلوعها.
يقال : شرقت الشمس ولما تشرق. ومنه أخذ ابن عباس صلاة الضحى. قال : ويحتمل أن يكون من أشرق القوم إذا دخلوا في وقت الشروق، ويكون المراد وقت صلاة الفجر لانتهائه بشروق الشمس» قال أحمد : الوجه الثاني يفرق بين العشى والاشراق، فان العشى ظرف بلا إشكال، فلو حمل الاشراق على الدخول في وقت الشروق لكان مصدرا، مع أن المراد به الظرف، لأنه فعل الشمس وصفتها التي تستعمل ظرفا كالطلوع والغروب وشبههما.
(٢). أخرجه ابن مردويه والثعلبي والواحدي والبغوي والطبراني كلهم من رواية أبى بكر الهذلي عن عطاء عن ابن عباس : حدثتني أم هانئ. ورواه الحاكم من وجه آخر عن عبد اللّه بن الحرث عن ابن عباس «كان لا يصلى الضحى حتى أدخلناه على أم هانئ فقلت لها : أخبرى ابن عباس قالت : دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في بيتي فصلى صلاة الضحى ثمان ركعات. قال : فخرج ابن عباس وهو يقول : هذه صلاة الاشراق» هذا موقوف وهو أصح.
(٣). قوله «أشرق ثبير» كانوا يقولون : أشرق ثبير كيما نغير، كما في الصحاح. (ع)
(٤). قال محمود :«إن قلت لم اختار يسبحن على مسبحات وأيهما وقع كان حالا، وأجاب بأن اختيارهما لمعنى وهو الدلالة على حدوث التسبيح شيئا بعد شيء كأن السامع محاضر لها فيسمعها تسبح. ومنه قول الأعشى :
إلى ضوء نار في يفاع تحرق
ولو قال : محرقة لم يكن شيئا. قال أحمد : ولهذه النكتة فرق سحنون من أصحابنا بين : أنا محرم يوم أفعل كذا «بصيغة اسم الفاعل. وبين أحرم بصيغة المضارع. فرأى أن المعلق بصيغة اسم الفاعل يكون محرما بوجود صيغة التعليق، ولا كذلك المعلق بصيغة الفعل المضارع، فانه لا يكون محرما حتى يحرم ويقال له أحرم، فكأنه رأى أن صيغة الفعل خصوصية في الدلالة على حدوثه، ولا كذلك اسم الفاعل وإن كان متأخرا. وأصحابنا اختلفوا في معنى قول سحنون في اسم الفاعل يكون محرما يوم يفعل، فمنهم من قال : أراد الفور فينشئ إحراما، ومنهم من قال : يكون محرما في الحال بالتعليق الأول ولا يجدد شيئا. ومذهب مالك : التسوية بين صيغتي اسم الفاعل والفعل في هذا المقام واللّه أعلم. وحقق الزمخشري هذا الفرق بين اسم الفاعل والفعل في قوله وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ فقال :
لما كان الواقع حشر الطير دفعة واحدة، وكان ذلك أدل على القدرة، لم يكن لاستعمال الفعل الدال على الحدوث شيئا فشيئا معنى، فاستعمل فيه اسم المفعول على خلاف استعمال الفعل في الأول.