من المعصية، وليكون أمره بذلك مع عصمته لطفا لأمته، ولأنّ الاستغفار من التواضع للّه وهضم النفس، فهو عبادة في نفسه. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم :«إنى لأستغفر في اليوم والليلة مائة مرة «١»» وروى أنه لما قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم على أصحابه استبشروا وبكى العباس، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«ما يبكيك يا عم»؟ قال :
نعيت إليك نفسك. قال :«إنها لكما تقول» «٢» فعاش بعدها سنتين لم يرفيهما ضاحكا مستبشرا.
وقيل : إن ابن عباس هو الذي قال ذلك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، «لقد أوتى هذا الغلام علما كثيرا» «٣» وروى أنها لما نزلت خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال :«إن عبدا خيره اللّه بين الدنيا وبين لقائه، فاختار لقاء اللّه» فعلم أبو بكر رضى اللّه عنه، فقال :
فديناك بأنفسنا وأموالنا وآبائنا وأولادنا «٤». وعن ابن عباس أن عمر رضى اللّه عنهما كان يدنيه ويأذن له مع أهل بدر، فقال عبد الرحمن : أتأذن لهذا الفتى معنا وفي أبنائنا من هو مثله؟
«فقال إنه ممن قد علمتم «٥»» قال ابن عباس : فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن قول اللّه تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ ولا أراه سألهم إلا من أجلى، فقال بعضهم : أمر اللّه نبيه إذا فتح عليه أن يستغفره ويتوب إليه، فقلت : ليس كذلك، ولكن نعيت إليه نفسه، فقال عمر :
ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم، ثم قال : كيف تلومونني عليه بعد ما ترون؟ وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه دعا فاطمة رضى اللّه عنها فقال :«يا بنتاه إنه نعيت إلىّ نفسي، فبكت، فقال : لا تبكى، فإنك أوّل أهلى لحوقا بي «٦»» وعن ابن مسعود أنّ هذه السورة تسمى سورة التوديع كانَ تَوَّاباً أى كان في الأزمنة الماضية منذ خلق المكلفين توابا عليهم إذا استغفروا، فعلى كل مستغفر، أن يتوقع مثل ذلك.
(١). أخرجه مسلم من حديث الأغر المزني.
(٢). ذكره الثعلبي عن مقاتل وسنده إليه دون الكتاب.
(٣). لم أجده.
(٤). متفق عليه أصله من حديث أبى سعيد الخدري دون أوله من كونه كان عند نزول السورة. نعم فيه ما يشعر بأن ذلك كان في أواخر عمره ونزولها كان في أواخر عمره بلا نزاع.
(٥). أخرجه البخاري من حديث ابن عباس معناه. وليس فيه تعيين عبد الرحمن بن عوف. واستدركه الحاكم فوهم. وأخرجه البزار وآخر لفظه موافق لآخر لفظ المصنف.
(٦). أخرجه البيهقي في أواخر الدلائل وابن مردويه من رواية هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال «لما نزلت إذا جاء نصر اللّه والفتح دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاطمة فقال لها إنه قد نعبت إلى نفسي فبكت فقال لها : اصبري فإنك أول أهلى لحوقا بى. فقال لها بعض أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم.
الحديث وشاهده في الصحيحين من حديث عائشة رضى اللّه عنها من رواية مسروق عنها مطولا.